|


فهد عافت
زامر الحيّ!
2019-08-18
"لا كرامة لنبيّ في وطنه"، "زامر الحيّ لا يُطرِب"، كثيرًا ما سمعنا ونسمع مثل هذه الكلمات، والمقصد منها واحد: أنّ الأهل والأقارب لا يتصرّفون مع الموهوب منهم بما يتناسب مع علمه أو أدبه، مهما وصل بأحدهما إلى مكانة مرموقة، بل بالذات إنْ وصَل!.
ـ على الأقل، فإنّه ما مِنْ موهوب، نبغ في مجاله، إلّا وأحسّ بأنّ تقدير الأبعد عنه أكثر من تقدير الأقرب منه!. أو أنّ هذا هو ما يحدث في أغلب الأحيان، وفي أغلب الأحيان يكون مثل هذا الإحساس صحيحًا، ولكن!..
ـ لا أرى التّململ من هذا الأمر، ولا الضيق به، إلا خطأً، وقد يزيد فيصير خطيئة، يرتكبها المبدع في حقّ نفسه وأهله وأقاربه وجيران العمر وأصدقاء الطفولة!.
ـ لا أراه إلا تحرّجًا في غير محلّه. وهو حتى وإن كان إحساس صاحبه به صحيحًا، إلا أنّ هذا الإحساس تشكّل في الأصل من فهم خاطئ، ومن سماحةٍ في صدر صاحبها أقلّ!.
ـ على الموهوب المبدع الناجح المتفوّق في تخصّصه حدّ "النّجوميّة"، مراجعة نفسه، وإعادة ترتيب معلوماته ومفاهيمه، وتوسيع مداركه وصدره، متى ما وجد نفسه في مثل هذا الموقف!.
ـ نحن مثلًا، نلتقي حين نلتقي بمبدع متفوّق "مشهور"، نحيّيه ونجتمع حوله، لصفته وبصفته!.
ـ نحضر مجلسه أو ندعوه لمجالسنا، والاعتبار الأكبر والرئيسي وربما الوحيد: نبوغه المشهود له في مجاله!.
ـ ولذلك فإننا نشعر بضرورة إظهار تقديرنا له سواء في كلامنا معه أو في صمتنا لسماعه، نرى ذلك أبسط حقوقه علينا، وهذا صحيح. لا رَمَدَ في عيوننا ولا ضعف في نظرنا بإذن الله.
ـ ويحق له كمبدع متفوّق، متخصص، وشهير بنجوميّة مُستحقة، أن يستاء أو يتكدّر فيما لو أتيناه، أو قَبِل دعوتنا فأتانا، ثم لم يجد التقدير المناسب، ربما يحق له أن يتهمنا في داخله بأخلاقنا حتى!، فإنزال الناس منازلهم مسألة أخلاقية قبل كل شيء!.
ـ في المقابل، يتوجّب على هذا المبدع النجم، ألا يغفل عن الحقيقة الأخرى، التي وإنْ كانت أقل حفاوةً بما عنده إلا أنها وفي الغالب أصدق حفاوةً به!. وأكثر محبةً له كإنسان خارج دائرة مجده!. وهذا هو بالضبط حال أمّه وأبيه وعمّه وخاله وأخته وأخيه وقريبه وصديق طفولته وجاره القديم معه!.
ـ هم لا يجتمعون به ومعه للأسباب التي نجتمع به ومعه من أجلها!. يحبّونه لأسباب أخرى أكثر إنسانية وأعمق صدقًا من الأسباب التي نحبّه من أجلها وبسببها نبجّله!.
ـ ونعم، قد يصعب على كثير منهم، تقبّل آرائه وكأنها أيقونات!. إنهم يريدون من لُقياه استرجاع ماضيهم معه، ذكرياتهم التي عتّقها الزمن فصارت أرشق وأخفّ ظلًّا!.
ـ ولعلّ جزءًا مهمًّا من مشاكستهم له واعتراضهم عليه بل تسفيههم المَرِح لتنظيراته، إنّما مردّه رغبتهم الحقيقية في تجريب مدى قُربهم منه وقُربه منهم!.
ـ وهو كلّما تقبّل منهم ذلك أثبت لهم أنّ مشاعرهم فيّاضة الحب لم تكن في غير محلّها، وأنها استحقّت البقاء والنموّ!.
ـ غير صحيح أنه لا كرامة له بينهم، وأنه لا يُطربهم، لكنهم ليسوا أي جمهور، بل هم ليسوا جمهورًا أصلًا: إنهم هو!. أو الجزء الأهم من تشكيله ونجوميّته!. الجزء الأكثر أصالةً فيه. الجزء الذي يعرف خباياه وضعفه ونواقصه، وبالرغم من ذلك يحبّه ويأنس لقربه، ويفخر به، لكن على طريقته!.
ـ هؤلاء الأهل والأحبة نعمة من الله، وعلى المبدع النجم فهم الرسالة الرائعة من هذا الموقف: لقد كنتَ بحاجة لعمل الكثير كي يتقرّب منك الناس، لو لم تنجح لما فعلوا، لقد تحمّلتَ وستظل تتحمّل الكثير من الجهد ومن التعب والإرهاق للحصول على محبتهم والاحتفاظ بها!.
ـ أمّا بين أهلك وناسك فكما ترى: كان وسيظل بإمكانك ألا تفعل شيئًا، أو أن تجرّب وتفشل، ولن يحُول ذلك بينهم وبين احتضانك ومصافحتك بحب والاجتماع بك والتجمّع حولك بمودّة صافية!. لا حاجة بك مع هؤلاء لتحمّل أي ثقل من أي نوع، هل عرفتَ أي نعمة من الله أنتَ فيها؟!