قول الحقيقة ليس من مهامّ الفن والأدب!. إنْ حدَثَ وجاءتْ عَرَضًا خير على خير، وإلّا فإنها ليست المهمّة التي صُنِعَتْ الفنون والآداب من أجلها!.
ـ كل فن وكل أدب بحاجة مُلحّة إلى الكذب!. فرق الكذب الفنّي عن غيره من أنواع الكذب يكمن في طُهْرِه!. الفن لا يكذب ليُغيّب الحقائق أو يزوّرها، لكنه يفعل ذلك ليصل إلى ما هو أكثر من الحقيقة!. بقفزه عليها يُرينا إياها وقد صرنا أعلى منها!.
ـ وبمقدار الموهبة والجهد والمِرَان واللياقة يتمكّن المبدع من قفزة أعلى. وكلّما كانت القفزة أعلى صَغُرَتْ الحقائق في عيوننا: الفنون والآداب كانت تحمل فكرة الطّيران في صميم قلبها منذ نشأَتْ!. وأنت كلّما طرتَ أعلى صَغُرت الأشياء من تحتك!.
ـ لولا الكذب الفني لما عرف الإنسان لذّة التحليق ومتعة الطيران!. ولولا أنّ الفن اعترف وصرّح من الأساس بأنه كذب، لأمكنه التّهرّب من أطيب ما فيه: التشويق!. لكنه وما أن اعترف بأن أقرب تعاريفه إلى الكمال هو أنه "كذب" فقد ألزم نفسه بالتعويض!.
ـ وأوّل التعويض: الحذف والاستغناء والتجاوز!. حذف الزائد والاستغناء عن الفائض وتجاوز ما ليس دالًّا!.
ـ أنتَ حين تخلو بنفسك وتسترجع حياتك كلّها، فإنه يكفيك ساعة لاحتواء الأمر!. ستنجح في هذه الساعة، دون أي جهد يُذكر، بتمرير شريط حياتك أمام عينيك. الذاكرة والوجدان يعيدان تشكيل زمن العمر الفائت، ويقدمان لك نفسك في سطور قليلة. لكنك في الحقيقة عشتَ عمرًا كاملًا يحتاج سرده إلى عمرٍ مثله كي تقول الحقيقة!. فهل كنتَ تكذب؟!.
ـ الجواب نعم، لكنك كنت تكذب لتصل إلى ما هو أكثر من الحقيقة: حقيقة ما حدث وحقيقتك!. لتصل إلى نفسك عبر حكاية جديدة من تأليف الوجدان والذاكرة، حكاية جديدة لا تزوّر الحكاية القديمة لكن تختصرها "وقد تضيف إليها!"، تلتقط أهم وأجمل وأحزن وأعمق ما فيها، حكاية جديدة تحتوي على حكايتك القديمة "الحقيقية تمامًا" لكنها ليست هي!. وهكذا هو الفن أيضًا!.
ـ لاحظ أيضًا أنك حين تعيد سرد الشريط في وقت لاحق وظروف مغايرة..، تقوم لا إراديًّا بالحذف والإضافة والتجاوز من جديد!. ما يعني أنك في كل مرّة لا تكتب ولا تقرأ القصة نفسها!.
ـ أوّل تعويض يقدمه الفن هو الحذف والاستغناء والتجاوز، لكنه ليس التعويض الأجمل. التعويض الأجمل هو التشويق!.
ـ مسألة التشويق هذه التقطها بورخيس بفتنة وحرفية شعر عالية في قصّة عنونها بـ "الموت والبوصلة"، وفيها:
ـ كان الشرطيّ يقدّم إلى المحقق "فرضيّة" يرى أنها قد تساعد على حل لغز الجريمة. يردّ المحقق: "فرضيّتك مُحتمَلة لكنها ليست مُشوّقة!. أعرف أنك ستقول لي إنه ليس من واجب الحقيقة أنْ تكون مُشوّقة أبدًا، وسوف أردّ عليك إنّ بإمكان الحقيقة غض الطرف عن الواجب، لكنّ الفَرَضِيّة لا يُمكنها ذلك"!.
ـ الفن فرضيّة.. الأدب فرضيّة.. التشويق واجب!.
ـ كل فن وكل أدب بحاجة مُلحّة إلى الكذب!. فرق الكذب الفنّي عن غيره من أنواع الكذب يكمن في طُهْرِه!. الفن لا يكذب ليُغيّب الحقائق أو يزوّرها، لكنه يفعل ذلك ليصل إلى ما هو أكثر من الحقيقة!. بقفزه عليها يُرينا إياها وقد صرنا أعلى منها!.
ـ وبمقدار الموهبة والجهد والمِرَان واللياقة يتمكّن المبدع من قفزة أعلى. وكلّما كانت القفزة أعلى صَغُرَتْ الحقائق في عيوننا: الفنون والآداب كانت تحمل فكرة الطّيران في صميم قلبها منذ نشأَتْ!. وأنت كلّما طرتَ أعلى صَغُرت الأشياء من تحتك!.
ـ لولا الكذب الفني لما عرف الإنسان لذّة التحليق ومتعة الطيران!. ولولا أنّ الفن اعترف وصرّح من الأساس بأنه كذب، لأمكنه التّهرّب من أطيب ما فيه: التشويق!. لكنه وما أن اعترف بأن أقرب تعاريفه إلى الكمال هو أنه "كذب" فقد ألزم نفسه بالتعويض!.
ـ وأوّل التعويض: الحذف والاستغناء والتجاوز!. حذف الزائد والاستغناء عن الفائض وتجاوز ما ليس دالًّا!.
ـ أنتَ حين تخلو بنفسك وتسترجع حياتك كلّها، فإنه يكفيك ساعة لاحتواء الأمر!. ستنجح في هذه الساعة، دون أي جهد يُذكر، بتمرير شريط حياتك أمام عينيك. الذاكرة والوجدان يعيدان تشكيل زمن العمر الفائت، ويقدمان لك نفسك في سطور قليلة. لكنك في الحقيقة عشتَ عمرًا كاملًا يحتاج سرده إلى عمرٍ مثله كي تقول الحقيقة!. فهل كنتَ تكذب؟!.
ـ الجواب نعم، لكنك كنت تكذب لتصل إلى ما هو أكثر من الحقيقة: حقيقة ما حدث وحقيقتك!. لتصل إلى نفسك عبر حكاية جديدة من تأليف الوجدان والذاكرة، حكاية جديدة لا تزوّر الحكاية القديمة لكن تختصرها "وقد تضيف إليها!"، تلتقط أهم وأجمل وأحزن وأعمق ما فيها، حكاية جديدة تحتوي على حكايتك القديمة "الحقيقية تمامًا" لكنها ليست هي!. وهكذا هو الفن أيضًا!.
ـ لاحظ أيضًا أنك حين تعيد سرد الشريط في وقت لاحق وظروف مغايرة..، تقوم لا إراديًّا بالحذف والإضافة والتجاوز من جديد!. ما يعني أنك في كل مرّة لا تكتب ولا تقرأ القصة نفسها!.
ـ أوّل تعويض يقدمه الفن هو الحذف والاستغناء والتجاوز، لكنه ليس التعويض الأجمل. التعويض الأجمل هو التشويق!.
ـ مسألة التشويق هذه التقطها بورخيس بفتنة وحرفية شعر عالية في قصّة عنونها بـ "الموت والبوصلة"، وفيها:
ـ كان الشرطيّ يقدّم إلى المحقق "فرضيّة" يرى أنها قد تساعد على حل لغز الجريمة. يردّ المحقق: "فرضيّتك مُحتمَلة لكنها ليست مُشوّقة!. أعرف أنك ستقول لي إنه ليس من واجب الحقيقة أنْ تكون مُشوّقة أبدًا، وسوف أردّ عليك إنّ بإمكان الحقيقة غض الطرف عن الواجب، لكنّ الفَرَضِيّة لا يُمكنها ذلك"!.
ـ الفن فرضيّة.. الأدب فرضيّة.. التشويق واجب!.