|


فهد عافت
لماذا نقرأ الروايات؟!
2019-09-04
لماذا نقرأ الروايات؟! الأسباب كثيرة جدًا، ثمّ ولأنه في الغالب يوجد أكثر من سبب لدى كل قارئ، فإنّ الأسباب قد تكون من الكثرة بحيث تزيد على عدد القرّاء أنفسهم!.
ـ سأختار سببًا: أقرأ الروايات لأنّ الحكايات التي تحدث في الواقع، لا تكون مكثّفة، هي ممطوطة على الدوام، ومليئة بما لا قيمة له!.
ـ الفن الروائي يفعل الأعاجيب: يُخلّص الحكايات من زوائدها. وفي لمحة عبقريّة كثيرًا ما ينجح في إعادة تشكيل الحكاية، فنكتشف أنّ بعضًا ممّا كنّا نظنه زوائد في أي حكاية، إنّما هو صُلبها، أو أنه من الأهميّة بمكان بحيث تفقد الحكاية كثير من قيمتها فيما لو لم ننتبه له!.
ـ يفعل الأعاجيب: يُكثِّف، ويحفر عميقًا، فتتكشّف لنا أنفسنا، بخيرها وشرّها، بما أُلهِمتْ من فجور ومن تقوى!. في كل عمل روائي عظيم نجد أنفسنا وقد تناثرت في الشخصيّات، مهما كانت متناحرة ومتضادّة، بل وبالذات إنْ كانت كذلك!.
ـ هذا الأثَر بالذات، يجعلنا أكثر تسامحًا مع الحياة والآخرين: قارئ الكتب، الروايات تحديدًا، هو أحد أكثر خلق الله تفهّمًا وبالتالي تسامحًا، والتسامح مرحلة حاسمة وأصيلة في التصالح مع النفس، وعليه فإننا نتسامح مع الآخرين إكرامًا لأنفسنا أولًا، وكونهم ينالون شيئًا طيّبًا بسبب هذا التصالح الداخلي مع الذات، فهذا أمر حسن أيضًا، والحُسْن رحمة!.
ـ الروائيون العظماء يمنحوننا شكلًا بديعًا من أشكال التواصل، نكتشف أنه وبالرغم من الاختلافات المعيشية في المكان والزمان، وبالرغم من الخلافات النظريّة في الأفكار والمعتقدات، إنّما نعيش تجارب مشتركة كثيرة متشابهة، كثيرة إلى حد يمنح طمأنينة فعلية، ومتشابهة إلى حد يمنح محبّة حقيقية، وهل هناك ما هو أجمل من الأمن والمحبة؟!.
ـ الروايات لا تقدّم لك فضيلة التصالح مع الذات على طبق من ذهب بل في الغالب على طبق من أشواك!. لكن أشواكها غير مؤذيّة، إلا إذا كنت تعتبر أن شهقة الخوف المرحة في مدينة الألعاب مؤذية!.
ـ نحن وإن كانت لنا عيون، فإنه يصعب علينا، أو يستحيل، رؤية الحقيقة كاملة!. الروايات الفخمة لا تقدّم لنا الحقيقة كاملة، لكنها على الأقل تساهم في صناعة يقين داخلي لدى كل قارئ بسلامة شكوكه وبضرورة استمرار هذه الشكوك في متابعة عملها، ومع كل عمل روائي مبدع يلمس الأعمى الذي فينا جزءًا جديدًا من جسم الفيل!. هل تعرفون حكاية الفيل والعميان؟!.
ـ للتعرّف على الفيل، سمح أحد الملوك لمجموعة من العميان في مملكته بلمس الفيل، بعدها سألهم عن شكله، من لمس أُذُن الفيل قال: الفيل يشبه ورقة شجرة الموز!، ومن لمس الذيل قال: الفيل يشبه الحَبل!، وقال أعمى: الفيل حائط، لأنه لمس الخاصرة!. وقال آخر: الفيل مدقّة هاون كبير، لأنه لمس ناب الفيل!.
ـ الروايات يا أحبّة هي خبرة كل هذه الملامسات أو أكبر عدد منها!.