|


فهد عافت
المتبرّم الشّكّاء!
2019-09-09
إنْ لم نكن منهم، فإنه من السهل جدًا على أي أحد منّا الإشارة "ولو في قلبه" على أحدهم، ذلك أنّه لا بدّ لكل واحدٍ منّا أنْ عرف عن طريق القُربى أو الجيرة أو الصداقة أو الزمالة ذلك النوع من البشر الشّكّائين، والذين يرمون بالعتب الدّائم والّلوْم شبه الأزليّ على الظروف والآخرين، معلّلين بذلك خيباتهم وفشلهم!.
ـ لا شكّ أن بعضهم صادق في بعض ما يقول!. غير أنّ كثرة التّشكّي لا بدّ لها من أنْ تحمل من الخطأ الكثير، وعواقبها وخيمة!.
ـ كثرة التشكّي وترديد رمي الملامات على غيرنا، من شأنها أنْ تُثقِل على مسامع الآخرين، فلا يعود حتى أقرب المقرّبين منّا قادرًا لا على التصديق ولا على التعاطف معنا بالشكل الذي نتمناه أو نتوقّعه!.
ـ ولسوف يصلنا، عاجلًا أو آجلًا، شعورنا بعدم شعورهم بنا!.
ـ بذلك نكون قد زدنا الطّين بلّة، فبدلًا من أن تكون شكوانا لهم مصدر راحة، ومحادثتنا لهم طريقًا للتخفيف من حدّة شعورنا بتجاهل الآخرين لنا وتغافلهم عنّا، سيحدث العكس تمامًا، ويصبح حتى هؤلاء المُقرّبين منّا، رقمًا زائدًا في جدول الإحباط، ومصدرًا إضافيًّا للغبن، ونجد أنفسنا بحاجة للبحث عن آخرين نُقرّبهم منّا لنتشكّى لهم ممّن كانوا مقرّبين منّا، وهكذا دواليك!.
ـ وكلّما أكثرنا من التّشكّي، وسواء رمينا بذلك على الظروف أو الناس أو أي شيء آخر، وقعنا لا محالة في الظّلم أو الإجحاف في التقدير، إذ يصعب على عقول من يستمعون إلينا تمرير كل هذه الحكايات وأسبابها بقناعات راسخة في صحة وصدق ما نحكيه!.
ـ خاصة وأنّ من طبيعة الشّكّائين بكثرة، الارتداد إلى مديح أنفسهم والإطراء على نواياهم، بل وإعادة ترتيب حكاياتهم وأقوالهم بما يُقرّبهم من مثاليّة نعرف أنّها ليست فيهم بالقَدْر الذي يتصوّرونه أو يريدون منّا تصوّره!.
ـ كثرة العتب والملامات والتّشكّي والتّأفّف من الناس أو من الظروف، مسألة تتعلّق في حقيقتها بشخصيّة المتأفِّف الّلوام، أكثر من تعلّقها بشخصيّات من يتأفّف منهم أو يلومهم!. تتعلّق بطبيعة المُعاتِب أكثر من تعلّقها بظروفه!. تتعلّق بتهافته حلمًا وعملًا وبغياب الجدّية والحماس والإصرار والصبر فيه أكثر بكثير من تعلّقها بحظّه وأقداره!. تتعلّق بعدم حُسن تقديره لأمور وظروف وأحوال الآخرين أكثر من تعلّقها بسلامة موقفه من نفسه وظروفه وأحواله!.
ـ جالسني مرّةً رجل، عرّف بنفسه في مصافحة كريمة فدعوته إلى فنجان قهوة، يبدو أنه كان يريد من أحد سماعه!. راح يحكي لي بتبرّمٍ وتأفّف وامتعاض، عن ظروفه وأحواله!، وعن صديق مقرّب منه لم يُحسن تقدير ظرفه، وعن صديق آخر لم يتعاطف معه!. أطال وبدأت الأسماء تتناثر!.
ـ حاولت مواساته قدر المستطاع، لكنني حاولت دائمًا الدفاع عن هؤلاء الذين يشتكي منهم، وفي الأخير قلت له:
اسمع يا أخي، أنت تتحدث مع شخص لا يعرفك إلا قبل ساعة ونصف، شخص قد يتفهّمك ويتعاطف معك مرّة أو مرّتين بالكثير، وتتشكّى له من أشخاص يعرفونك ولم تفقد حسن تقديرهم لظروفك أو تعاطفهم معك سوى مرّة أو مرّتين بالكثير!.