ـ تنبّه العرب إلى فروقات مهمة بين الشعر والنثر. في كتبهم النقدية الأولى، ويا لأهمية التراث هنا، ذكروا مجموعة من الفوارق، منها أنه لا يُعاب على المرء مدح نفسه شعرًا، وهو فيما لو قال نصف ذلك المديح نثرًا لما قَبِلَته الأنفس، ولَعُدّ عيبًا، واستُهجِن منه!.
ـ أظنّ أن سبب ذلك، كامن في أن النص الشعري وما أن يكتمل ويخرج للناس، حتى يعدّه كل معجب به أنه له، بل وأكثر: أنه منه!.
ـ فحين يقول المتنبي: “أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي”، يحفظها القارئ ويرددها إذ يرددها وكأنها له وكأنه قائلها!. بها يتمادى ويتهادى.. ويعلو..، وفي داخله، غير الإعجاب: امتنان داخلي خفيّ للشاعر، لأنه يعفي المردّد لها من ثُقْل العنجهية!. أولًا لأن شاعرها هو أول من قال بها، وثانيًا لأنه صاغها شعرًا!.
ـ لكن المتنبي، وهو من هو، لو قال ما قال نثرًا، لاستُهجن منه واستعيب به!، تخيّل فقط أن المتنبي يتحدث نثرًا في مجلس سيف الدولة: أنا أشهر الخلق يا مولاي، أنا من يعرفه الليل قبل الصبح وتعرفه الفيافي في السفر والخيل والسيوف والرماح في المعارك والكتب والأقلام في كل وقت!. لو قال نثرًا ما قاله شعرًا لسُحِب من رجْليه وطُرد من القصر!، ولكان ذلك جزاءً عادلًا إلى حدّ كبير!.
ـ أظنّ أن هذا أحد أسرار الموسيقى!. أظنه سرّا موسيقيا أكثر من كونه سرّا شعريا!. ذلك أن الموسيقى أشبه بالهواء، وهي أصلًا لا تحيا ولا تعبر بغير الهواء فعلًا!، ولأنها من الهواء وحيث أنها تلوين للهواء، فهي للجميع!.
ـ وما أن تتموسق الكلمات حتى تعطي الانطباع بأنها ملك لمن يتنفسها!. حتى حين تُكتب على ورقة فمبجرّد قراءتها تتموسق، وما أن تُصبّ الموسيقى في الأُذُن حتى يشعر المرء بحريّة التّنفّس وبأحقيّته فيه!.
ـ في حين أنه، وإلى حد ما، يمكنك قراءة جملة النثر دون هواء!. بالعينين فقط!. هنا تغيب الموسيقى، فيغيب الحقّ المشاع، وتصير الكلمات لقائلها فقط وليس لسامعها أو لقارئها معه!. بذلك تظل معزولة ويمكن ملاحظة تشوّهاتها في كل حين!.
ـ ومن الفروقات المهمّة، التي تنبّه لها العرب الأوائل، أن الإنسان يقدر في النثر على تمييز الحسن من القبيح فيما يقول!. بينما يعجز، في الغالب، عن مثل هذا التمييز حين يكتب شعرًا!.
ـ ونعم، كلنا تقريبًا، عشنا تجربة أن يتحدث إلينا أحدهم ناثرًا كلماته فنراه على حال من الإقناع والإمتاع ووضوح الدراية، ثم يقرأ علينا نفس هذا الشخص شعرًا فنراه ركيكًا ساذجًا، ونستغرب من كونه لا يراه كذلك!.
ـ يقوله بحماسة نستحي منها، ولا ندري كيف نعبّر له عن رأينا بصدق، رأْينا الذي هو غالبًا: لو أنك قلت ما قلت نثرًا لكان أفضل لك ولنا، ولتجاوزت بالتأكيد كل ما هو مكرور وعادي وساذج وباهت، لأنك ستعرف سريعًا وبسهولة كل هذا المكرور والعادي والساذج والباهت وما لا لزوم له!.
ـ فكّرت كثيرًا بهذا الأمر، وتوصّلت إلى هذا الرأي: من يقول شعرًا، ومن يظن أنه يقول شعرًا، هو مثل لاعب الكرة، سواء كان يلعبها في منتخب بلاده أو في حواري منطقته!. هو ما أن يقرأ شعرًا، أو ما يظنه شعرًا، فإنه يمارس اللعبة!. وكل من يمارسها يظن أنه فنّان موهوب!.
ـ لقد كنتُ أظن أنني موهوب في كرة القدم، إلى أن شاهدت نفسي مرّةً في شريط فيديو صوّره أحدنا لإحدى مبارياتنا، لم يكن هذا الذي أراه أنا أبدًا!.
ـ المثل السابق يصلح للأولاد، وهو بكل ما فيه من عدم قدرة على كشف العيوب، يتمثّل بالنسبة للبنات في الرقص!. هل سبق لكم أن سمعتم من بنت أنها لم تكن أفضل من رقص في حفل الزفاف الذي دُعِيَتْ إليه؟!.
ـ الموسيقى: جاذبة وكاذبة، على نحو لا يُمكن مقاومته!.
ـ أظنّ أن سبب ذلك، كامن في أن النص الشعري وما أن يكتمل ويخرج للناس، حتى يعدّه كل معجب به أنه له، بل وأكثر: أنه منه!.
ـ فحين يقول المتنبي: “أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي”، يحفظها القارئ ويرددها إذ يرددها وكأنها له وكأنه قائلها!. بها يتمادى ويتهادى.. ويعلو..، وفي داخله، غير الإعجاب: امتنان داخلي خفيّ للشاعر، لأنه يعفي المردّد لها من ثُقْل العنجهية!. أولًا لأن شاعرها هو أول من قال بها، وثانيًا لأنه صاغها شعرًا!.
ـ لكن المتنبي، وهو من هو، لو قال ما قال نثرًا، لاستُهجن منه واستعيب به!، تخيّل فقط أن المتنبي يتحدث نثرًا في مجلس سيف الدولة: أنا أشهر الخلق يا مولاي، أنا من يعرفه الليل قبل الصبح وتعرفه الفيافي في السفر والخيل والسيوف والرماح في المعارك والكتب والأقلام في كل وقت!. لو قال نثرًا ما قاله شعرًا لسُحِب من رجْليه وطُرد من القصر!، ولكان ذلك جزاءً عادلًا إلى حدّ كبير!.
ـ أظنّ أن هذا أحد أسرار الموسيقى!. أظنه سرّا موسيقيا أكثر من كونه سرّا شعريا!. ذلك أن الموسيقى أشبه بالهواء، وهي أصلًا لا تحيا ولا تعبر بغير الهواء فعلًا!، ولأنها من الهواء وحيث أنها تلوين للهواء، فهي للجميع!.
ـ وما أن تتموسق الكلمات حتى تعطي الانطباع بأنها ملك لمن يتنفسها!. حتى حين تُكتب على ورقة فمبجرّد قراءتها تتموسق، وما أن تُصبّ الموسيقى في الأُذُن حتى يشعر المرء بحريّة التّنفّس وبأحقيّته فيه!.
ـ في حين أنه، وإلى حد ما، يمكنك قراءة جملة النثر دون هواء!. بالعينين فقط!. هنا تغيب الموسيقى، فيغيب الحقّ المشاع، وتصير الكلمات لقائلها فقط وليس لسامعها أو لقارئها معه!. بذلك تظل معزولة ويمكن ملاحظة تشوّهاتها في كل حين!.
ـ ومن الفروقات المهمّة، التي تنبّه لها العرب الأوائل، أن الإنسان يقدر في النثر على تمييز الحسن من القبيح فيما يقول!. بينما يعجز، في الغالب، عن مثل هذا التمييز حين يكتب شعرًا!.
ـ ونعم، كلنا تقريبًا، عشنا تجربة أن يتحدث إلينا أحدهم ناثرًا كلماته فنراه على حال من الإقناع والإمتاع ووضوح الدراية، ثم يقرأ علينا نفس هذا الشخص شعرًا فنراه ركيكًا ساذجًا، ونستغرب من كونه لا يراه كذلك!.
ـ يقوله بحماسة نستحي منها، ولا ندري كيف نعبّر له عن رأينا بصدق، رأْينا الذي هو غالبًا: لو أنك قلت ما قلت نثرًا لكان أفضل لك ولنا، ولتجاوزت بالتأكيد كل ما هو مكرور وعادي وساذج وباهت، لأنك ستعرف سريعًا وبسهولة كل هذا المكرور والعادي والساذج والباهت وما لا لزوم له!.
ـ فكّرت كثيرًا بهذا الأمر، وتوصّلت إلى هذا الرأي: من يقول شعرًا، ومن يظن أنه يقول شعرًا، هو مثل لاعب الكرة، سواء كان يلعبها في منتخب بلاده أو في حواري منطقته!. هو ما أن يقرأ شعرًا، أو ما يظنه شعرًا، فإنه يمارس اللعبة!. وكل من يمارسها يظن أنه فنّان موهوب!.
ـ لقد كنتُ أظن أنني موهوب في كرة القدم، إلى أن شاهدت نفسي مرّةً في شريط فيديو صوّره أحدنا لإحدى مبارياتنا، لم يكن هذا الذي أراه أنا أبدًا!.
ـ المثل السابق يصلح للأولاد، وهو بكل ما فيه من عدم قدرة على كشف العيوب، يتمثّل بالنسبة للبنات في الرقص!. هل سبق لكم أن سمعتم من بنت أنها لم تكن أفضل من رقص في حفل الزفاف الذي دُعِيَتْ إليه؟!.
ـ الموسيقى: جاذبة وكاذبة، على نحو لا يُمكن مقاومته!.