|


فهد عافت
ارتطام!
2019-10-29
ـ يفرق الشعر عن غيره من فنون الكتابة، في الطريقة التي يصل بها إلى المعنى!. في الشعر: المعنى ارتطام!.
ـ في الفلسفة والتاريخ والاجتماع، في الخطبة وفي المقالة، وفي النثر عمومًا، باستثناء النثر الشعري، يصل الكاتب إلى معناه بطريقة المصافحة والعناق!. ذلك أنّ المعنى في مثل هذه الأنواع من الكتابة يكون وليد الفهم لا الشعور!.
ـ كل ما على الفيلسوف أو الناثر عمومًا، البحث عن صِيَغٍ كتابيّة يمكن لها تقويس معلوماته وخبراته وأسئلته وأجوبته ونتائجه في عبارات سلسة قدر الإمكان ويمكن للآخر استيعابها وقبول منطقها قدر الإمكان أيضًا.
ـ هذا يعني أنّ الكلمات جاءت متأخّرة، مثلها مثل الأطباق التي وُضع فيها الطعام آخر المطاف!. لهذه الأطباق أهميتها دون شك، أهمية منفعة وأهمية جمال!.
ـ أهمية المنفعة بحسب استيعاب حجم الطبق للطعام المُقدّم فيه، وبحسب تكوين هذا الطبق لتقبّل نوعية هذا الطعام، فما يصلح للرزّ قد لا يصلح للحساء!. وأهمية الجمال بحسب لون ورز كشة الطبق وبريق نظافته!.
ـ كل هذا جميل وحسن، لكن في حالة الجوع الشديد، يمكن الاستغناء عن كل هذه الرفاهية!. حتّى الطبخة المُعتنى بمقاديرها وطهيها، تكفي عنها كسرة خبز، مثلما أن ورق الأشجار يكفي عن كسرة الخبز!.
ـ يمكن للعالَم أن يعيش بغير فلسفة، ولا تاريخ، ولا نظريات علم الاجتماع، يمكنه أن يعيش دون منبر وخطبة من أي نوع!. صحيح أنه سيكون فقيرًا وبدائيًّا، وشديد الهمجيّة، لكنه سيعيش على أي حال!.
ـ الشعر مرتبط بالناس أكثر، لأن المعنى فيه ارتطام!. جذره الشعور لا المعرفة!.
ـ والشعور بُحيرة وكل كلمة إنما هي حصاة صغيرة تُرمى في هذه البحيرة فتُحدث دوائر وتموّجات ذات رعشة وبريق!. القصيدة هي هذه التموّجات والدوائر!.
ـ قد يكون أبوالعلاء المعرّي أهم وأنفع للإنسانية من أبونواس!. المعرّي فيلسوف صاغ فلسفته شعرًا!. أبو نواس شاعر رمى حصا الكلمات في بحيرة الشعور فتماوجت فلسفة!. هو أقرب للشعر من المعرّي بكثير!. وفي رأيي وذوقي: أبو نواس هو أقرب الشعراء العرب قاطبةً إلى الشعر!. المعرّي أعقل وأبو نواس أجمل!.
ـ الشعر أقرب للناس ليس لأنه أهم، ولا لأنه أنفع، وبالتأكيد ليس لأنه أعقل!، ولكن لأنه أجمل، ولأن جماله بسيط وغير مُكلف: ارتطام حصاة على صفحة مياه!.