|


فهد عافت
ابتسامة الأصل.. ابتسامة الصورة!
2019-11-06
هناك فيلم عربي رائع لشريف عرفة، بطولة العملاق أحمد زكي: "اضحك الصورة تطلع حلوة". لكني أظن أن العنوان مُضلّل بعض الشيء!. ولا يكفي لتحقيق سعادة حقيقية!.
ـ ابتسامتنا "ضحكتنا" في الصورة، قد تُظهرنا "حلوين" بعض الشيء أو كلّه، لكن هذا لا علاقة له بحلاوة الصورة نفسها!.
ـ جمال الصورة و"حلاوتها" مسألة فنيّة، ولأنها كذلك فإن مرجعها للفنان المصوّر نفسه: زاوية الرؤية، براعة الالتقاط، الكادر، ضبط القياسات والموازين بين بقيّة مكوّنات الصورة والألوان، طاقة التّأمّل التي يمكن لهذه الصورة بثّها فينا، مستويات المعنى في الخلط والخلط في المعنى، وأشياء أُخر!.
هذا من الناحية الفنيّة، فماذا عنه من الناحية الإنسانية؟!..
ـ حتى الّليّن المُبتسِم للناس طوال الوقت، لا يمكنه أن يكون سببًا في إضفاء السعادة ولا الأمن ولا الراحة على كل الناس، ولن يكسب رضاهم جميعًا!.
ـ لا بد لهذه الابتسامة من أن تثير قلق ولو واحد ممّن هم حوله أو ممّن يمرّ بهم!. كما قد يثير هذا المرح الدائم حسد إنسان آخر له، وحنقه عليه، لأسباب تخص هذا الآخر!.
ـ كذلك يمكن بسهولة توقّع ظهور لائم، ينتقد أو يوبّخ!، لأسباب قد يتمكّن من جعلها منطقية على نحوٍ ما، أو يبقيها جافّة خشنة لعجزه، أو لرغبته، مجهولة الأسباب، في كسب رهان الانتصار على هذه الأريحيّة الدائمة لدى الآخَر!.
ـ البعض، "واحد على الأقل"، سيشكّك في نواياك من وراء هذه الابتسامة التي لا تغادر محيّاك!. هذا الشخص مُربك حقًّا!. إن كان صادقًا وكانت شكوكه في محلّها، فلن تتمكّن من البقاء مبتسمًا وبالطّيبة نفسها لأن أمرك يكون قد كُشِف!. وإن كان كاذبًا، أو مخطئًا، فمن شأن ذلك أن يثير غضبك ولو قليلًا!، أو يشوّش على ابتسامتك، ويغيّر من ملامحها ولو للحظة خاطفة!. إن بَقِيَتْ الابتسامة على حالها، تجاهه هو بالذات، فأمرك مريب فعلًا!.
ـ هذا يا أحبّة، ونحن نتحدث عن الّلين والتّبسّم، فما بالكم ببقية الأمور؟!.
ـ إرضاء الناس، كل الناس، غاية لا تُدرك. ورأيي في هذا الموضوع بالذات، كتبته من قبل: حتى لو كان إرضاء الناس غاية تُدرك، فمن العبث والخطأ، أن يضيع المرء أيام عمره لاهثًا وراء هذه الغاية!.
ـ بيت إيليا أبوماضي الشهير: "قال السماء كئيبة فتجهّما.. قلت ابتسم يكفي التّجهّم في السّما"، رائع الصياغة، سلس، ومعناه الخارجي مريح. لكني أعود لمراجعته من جديد، معتذرًا عن تشويش صورته التقليدية في الأذهان!.
ـ لا يكفي أن نبتسم طاعة لأمر أو اتّباعًا لنصيحة أو تنفيذًا لوصيّة!. الأمر على هذا النحو لن يسبب لنا الشعور بسعادة حقيقية أبدًا!. قد يُظهرنا سعداء، وقد يكون هذا سببًا في سعادة من يرانا، لكننا، وبحسب معطيات البيت الشعري نفسه، ما أن ينفرد أحدنا بنفسه حتى يعود متجهّمًا!. ستغادرنا الابتسامة بمجرد مغادرتنا للمشهد الجماعي!. هذه ابتسامة طريق، وابتسامة جلسة، ابتسامة صورة!، لكنها ليست ابتسامة منّا وفينا ولنا فعلًا!.
ـ لنبتسم حقًّا، وليصبح "الأصل" وليس "الصورة" هو الحلو والجميل، علينا أولًا أن نعيد نظرتنا إلى السماء، وأن نتأمّل وجهها من جديد، وأن نتساءل من جديد ودونما مسلّمات مسبقة: هل السماء متجهّمة الوجه فعلًا؟!. أن ننتبه للخدعة السّامّة: "يكفي التّجهّم في السّما"!. من قال إنها متجهّمة أصلًا؟!.
ـ من يرى أن السماء متجهّمة، وأنها كذلك طول الوقت، ومع ذلك يبتسم ويدعو للابتسام، هو بحاجة إلى طبيب أكثر من حاجته لديوان شعر!.