ـ كان محمود درويش يصر على إبقاء قراءاته طي الكتمان!. لعلّه كان يرى أن غموض مصادر الطاقة مهم، وأن الإبقاء على المنابع في العتمة أو الضباب من الأمور التي تحفظ للمَصَبّ “القصيدة / النص” قيمته الأسطوريّة، وكأنه آتٍ من سلطة أعلى، غير مرئية، آتٍ كما لو أنه وحي!.
ـ وما اختراع العرب لفكرة شيطان الشاعر إلا تنويع في اللعبة: دَسّ الأسطوري بكامل سحريّته فيما هو ليس أسطوريًّا، أعني في النص!.
ـ الرغبة في الخلود، بكل أطماعها المتطاولة على العقل والمنطق، لكسب الآتي، تستلزم إيجاد ما هو متطاوِل على، وخارج عن، العقل والمنطق فيما هو ماضٍ!. ما يُعرف بدؤه يُعرف انتهاؤه!. كُلّما حُدّد المصدر أمكن قياس الطاقة، وكل مُقاس محدود بالضرورة!.
ـ لذلك ابتكر العرب، أو ورثوا عن غيرهم من الأمم، حكاية شياطين الشعراء!. بإيجاد مثل هذا القرين تُصبح البدايات غير محدّدة وبالتالي فإن طاقاتها غير محدودة!. وبما أنه لا بداية يمكن القبض عليها، فإنه يمكن للشعراء الحلم بالخلود، بتوهّم ذلك ولإيهام الآخرين بذلك!. حيث لا يمكن القبض على نهاية ما!.
ـ كان هذا في عصور ما قبل الكتابة. الكتابة حفظت النماذج، وأرّخت المصادر. صار بالإمكان تتبّع وملاحقة تاريخ كل كتابة جديدة، وإعادتها إلى مصادرها القديمة الأولى!.
ـ يحضر نزار قباني فيُرجَع إلى العباس بن الأحنف، ثم هو وعباس بن الأحنف، يُرجعان إلى عمر بن أبي ربيعة، الذي بدوره يُرْجَع إلى امرؤ القيس!. لكن امرؤ القيس لا يُرجَع إلى غيره من البشر، حيث ضرورة الفناء، وإنما يرجع إلى شيطان شعره، والشياطين لا تموت!.
ـ لا يشعر امرؤ القيس بأنفاس تضايق رقبته من الخلف وتقبض على إمكانية خلوده بحكم بشريّتها!. يشتكي من الحب ومن الليل ومن تقلّبات الدنيا لكنه أبدًا لا يشتكي من نبش الآخرين لمصادره!، ولا يقلق من إمكانية كشف أحدهم لهذه المصادر طالما أنها أُلصِقَتْ بالشياطين، بهيمنة الأسطوريّ على كل شيء!.
ـ لكن نزار يصرخ: “أنا لا أشبه إلا صورتي.. فلماذا شبّهوني بعُمَر؟!”. يريد الانفلات من أي مصدر بشري، لا كرهًا في البشري، لكن لأن البشري إلى فناء، ومَن مصدره فناء فإن مآله إلى فناء لا محالة!.
ـ ما إن حضرتْ الكتابة حتى تراجعت الشياطين!. صارت المكتبة بديلًا لوادي عبقر!. وصارت الحلول المتاحة للتمسّك بتلابيب الخلود ثلاثة: أولها ما لمّح إليه درويش في أحد حواراته الصحفية والمتمثّل بأحقيّة المبدع في إخفاء مصادره، التي من أهمها قراءاته!.
ـ الحل الثاني هو الغرق في المكتبة، باعتبارها كونًا أسطوريًّا لا بداية ولا نهاية له!. وقد كان بورخيس أحد أهم من مارسوا هذا الغرق العجيب، كما أن رولان بارت أحد أعظم من أسسوا له وأقاموا عليه مشروعهم الإبداعي كله!.
ـ لتخيّل شكل هذا الغرق تذكّروا دائمًا “أليس في بلاد العجائب”!. كل مبدع هو “أليس” وكل مكتبة بلاد عجائب!.
ـ الحل الثالث هو الدمج بين الحلّين السابقين معًا!. ورغم أن درويش دافع عن أهل الحل الأول، إلا أنه من أهل هذا الحل الثالث دون شك!.
ـ قفلة:
“أخذْتْ اشطب اللي كتبني معايْ..
عشان آصل اللي عجزتْ آصَلَهْ!
ومِن غبتْ يا “كل ما لا سِوايْ”..
شعرْت ان ما عاد لي.. بي.. صِلَهْ”!
ـ وما اختراع العرب لفكرة شيطان الشاعر إلا تنويع في اللعبة: دَسّ الأسطوري بكامل سحريّته فيما هو ليس أسطوريًّا، أعني في النص!.
ـ الرغبة في الخلود، بكل أطماعها المتطاولة على العقل والمنطق، لكسب الآتي، تستلزم إيجاد ما هو متطاوِل على، وخارج عن، العقل والمنطق فيما هو ماضٍ!. ما يُعرف بدؤه يُعرف انتهاؤه!. كُلّما حُدّد المصدر أمكن قياس الطاقة، وكل مُقاس محدود بالضرورة!.
ـ لذلك ابتكر العرب، أو ورثوا عن غيرهم من الأمم، حكاية شياطين الشعراء!. بإيجاد مثل هذا القرين تُصبح البدايات غير محدّدة وبالتالي فإن طاقاتها غير محدودة!. وبما أنه لا بداية يمكن القبض عليها، فإنه يمكن للشعراء الحلم بالخلود، بتوهّم ذلك ولإيهام الآخرين بذلك!. حيث لا يمكن القبض على نهاية ما!.
ـ كان هذا في عصور ما قبل الكتابة. الكتابة حفظت النماذج، وأرّخت المصادر. صار بالإمكان تتبّع وملاحقة تاريخ كل كتابة جديدة، وإعادتها إلى مصادرها القديمة الأولى!.
ـ يحضر نزار قباني فيُرجَع إلى العباس بن الأحنف، ثم هو وعباس بن الأحنف، يُرجعان إلى عمر بن أبي ربيعة، الذي بدوره يُرْجَع إلى امرؤ القيس!. لكن امرؤ القيس لا يُرجَع إلى غيره من البشر، حيث ضرورة الفناء، وإنما يرجع إلى شيطان شعره، والشياطين لا تموت!.
ـ لا يشعر امرؤ القيس بأنفاس تضايق رقبته من الخلف وتقبض على إمكانية خلوده بحكم بشريّتها!. يشتكي من الحب ومن الليل ومن تقلّبات الدنيا لكنه أبدًا لا يشتكي من نبش الآخرين لمصادره!، ولا يقلق من إمكانية كشف أحدهم لهذه المصادر طالما أنها أُلصِقَتْ بالشياطين، بهيمنة الأسطوريّ على كل شيء!.
ـ لكن نزار يصرخ: “أنا لا أشبه إلا صورتي.. فلماذا شبّهوني بعُمَر؟!”. يريد الانفلات من أي مصدر بشري، لا كرهًا في البشري، لكن لأن البشري إلى فناء، ومَن مصدره فناء فإن مآله إلى فناء لا محالة!.
ـ ما إن حضرتْ الكتابة حتى تراجعت الشياطين!. صارت المكتبة بديلًا لوادي عبقر!. وصارت الحلول المتاحة للتمسّك بتلابيب الخلود ثلاثة: أولها ما لمّح إليه درويش في أحد حواراته الصحفية والمتمثّل بأحقيّة المبدع في إخفاء مصادره، التي من أهمها قراءاته!.
ـ الحل الثاني هو الغرق في المكتبة، باعتبارها كونًا أسطوريًّا لا بداية ولا نهاية له!. وقد كان بورخيس أحد أهم من مارسوا هذا الغرق العجيب، كما أن رولان بارت أحد أعظم من أسسوا له وأقاموا عليه مشروعهم الإبداعي كله!.
ـ لتخيّل شكل هذا الغرق تذكّروا دائمًا “أليس في بلاد العجائب”!. كل مبدع هو “أليس” وكل مكتبة بلاد عجائب!.
ـ الحل الثالث هو الدمج بين الحلّين السابقين معًا!. ورغم أن درويش دافع عن أهل الحل الأول، إلا أنه من أهل هذا الحل الثالث دون شك!.
ـ قفلة:
“أخذْتْ اشطب اللي كتبني معايْ..
عشان آصل اللي عجزتْ آصَلَهْ!
ومِن غبتْ يا “كل ما لا سِوايْ”..
شعرْت ان ما عاد لي.. بي.. صِلَهْ”!