|




فهد عافت
بنى البيت وهدم الأُسْرة!
2019-12-29
- العِلْم يقدّم الدواء للمرضى. والطريق إلى المدرسة ومن ثم العودة إلى البيت صارت أمورًا سهلة وآمنة. وعن طريق العلم صارت مكالمة المسافر والبعيد ممكنة وبالصورة!. العِلْم أنهى بشكل أو بآخر مسائل البُعد والفراق بقدْر لم يكن يحلم به الإنسان قبل مئة عام!، وكان قبل ذلك من تهويمات السحر والدّجل!.
- في المقابل، يُفاجئ الأدب، والفن عمومًا، الأب والأم والأخوة، بتفرّد شخص ما في البيت!. بانتمائه لأفكار غريبة!. بنهوضه بأحلام وتطلّعات لم تكن في الحسبان!. وبلغة وأسلوب حوار جديدين، لم تتم تربيته عليهما، ولم يكونا ضمن الجدول!.
- من هذه الزاوية، يبدو العِلْم نصيرًا للبيت، للأُسرة والعائلة، بينما يبدو الفنّ نقيض ذلك، ضد البيت والعائلة!.
- ويا لها من مفارقة. قليلًا ما يتكلّم العِلْم عن الأُسرة، وهو حين يفعل يتكلّم عن الأُسَر!، جامعًا إياها في مزج بلا ملامح ولا حدود!. العِلْم للجميع، ومنافعه للدنيا بما فيها وبمن فيها!. في حين أن الأدب لا يكاد يتحدّث إلا عن البيت!. ينطلق من الأُسرة، ومنها يتمدّد فيشمل العائلة والجيران والشارع والقرية والمدينة والبلد والناس في كل مكان!.
- ومهما تمّت مواجهة العِلْم، والاعتراض عليه، ومقاومة نظريّاته، فإن ذلك يكون في الغالب، اعتراض على “الأدب” الذي فيه!. على الكلمات والتعابير التي لم تتحوّل بعد إلى معادلات رياضيّة!.
- تقريبًا، تنتهي مقاومتنا لأي نظرية علميّة بمجرّد تقدّمها نحو الرياضيات!. عندها تصبح أمرًا واقعًا، لا ينقضه غير العِلْم ذاته فيما لو نُقِض!.
- وما إن تصير نظريّة علمية مُعادلة رياضيّة، حتى يبدأ التصنيع!. وما إن تُصنع مادّة بأثر من العلم،.. حبّة أسبرين أو هاتف أو طائرة، حتى تفرض استخدامها، وباستخدامها تصنع ثقافة تعامل معها ومن خلالها لم تكن موجودة من قبل!.
- وما إن تتشكّل مثل هذه الثقافة حتى تدخل مجال الفن!. ولا دليل على وجود الفن ما لم يتحرّش بها!. يرفضها، يسخر منها، يحفر في أبعادها، يهيّئها للانقلاب على ذاتها، ويفلسف حضورها!.
- في نهاية المطاف، نكتشف أن العِلم أبعدنا عن بعضنا، بنى البيت لكنه فرّق الأُسرة!. بإمكان أي منّا ملاحظة ذلك بسهولة، الجميع في البيت لكن كل واحد مشغول بالتواصل مع الخارج عبر جوّاله!.
- هنا يمكن لنا تلمّس وتذوّق ثمرات الفنون والآداب. البيت الذي فيه مكتبة، وأفراده، أو عدد منهم قرّاء، يمكن له، أكثر من غيره، إيجاد مواضيع مشتركة ومناقشتها بأفكار خصبة مُغريَة، وبلغة ثريّة، وأساليب متنوّعة!.
- ذلك أن الأدب، حتى إن تناول موضوعات وحكايات خاصة بآخرين، فإنه عرّفنا على أنفسنا، وقرّبنا من بعضنا بعضًا، وهيّأ لنا الكثير ممّا يجعلنا نفهم الآخر، نتقبّله، نستوعبه، نحبّه!. درّبنا بشكل رائع على أن نضع أنفسنا مكان الآخر، نتفّهم وضعه وسنّه وخصوصيّته، وعموميّة زمنه!.
- العِلْم يطيل الحياة، الفن يعمّقها!.