|


فهد عافت
ما يُرعب الفنّان!
2020-01-04
- يحب الفنّانُ الجمال. يهيم به. بالرغم من ذلك، لا أظنّ بوجود شيء يخيف الفنان، ويربكه، ويوجعه وجعًا حقيقيًّا، يذبحه من الوريد إلى الوريد، أكثر من الجمال!. ذلك الجمال الذي يراه ويلمسه ويتحسسه في الطبيعة والكائنات!.
- يلتقي الفنّان بمثل هذا الجمال يوميًّا تقريبًا. مرّةً على شكل إنسان، ومرّة على شكل كلمات. مرّة على شكل فكرة، ومرّة على شكل منظر طبيعي!. ومرّات على شكل مشهد ما: رقص، موسيقى، لون، دمع، بشاشة، مشاهد لا تُعدّ!. أقلّها رعبًا ذلك الجمال الذي يلتقيه على شكل عمل فنّي بديع لفنّان آخر، أو حتى له!.
- لماذا هذا الأخير أقل رعبًا؟! لأن الفنان صار متيقنًا من إمكانية دخول هذا الجمال في إطار الفن، مستسلمًا لشروط الفن!. ما دام هذا الجمال فنّي فهذا يعني بالنسبة للفنّان أن ولعه بالفن،.. أن الانتماء الروحي والجسدي، النظري والعملي، الفكري والحركي، العقلي والعاطفي.. للفن، انتماء صائب، وبالتالي فإن الفنّان على حق!.
- غير صحيح، أو على الأقل فإنه لا يمكن لي تصديق، أن فنّانًا متفوّقًا يكره فنّانًا متفوّقًا آخر!.
- نعم، قد يتمنّى فنان جيد أن يكون هو صاحب العمل المبدع الذي قام به فنّان آخر، أو أن يقدّم ما هو أجمل، لكني على يقين أن لهذه الرغبة اسمًا آخر لا علاقة له بالحسد ولا حتى الغيرة. اسمًا آخر لا تُمسك به الكلمات، لكنه مغموس بالامتنان للفنّان الآخر!.
- كل فنّان حقيقي يساعد كل فنّان حقيقي، ليس في زمنه فحسب، ولا حتى في زمن سوف يأتي، بل أيضًا في زمن سابق!. كل فن حقيقي يمكنه إثراء كل فن، وأي فن، وإحياء كل فنّان حقيقي من جديد!. الفنّان يشعر بمؤازرة عظيمة من كل فنّان مثله أو أعلى منه!.
- وصحيح أن مقصّ الرقيب والإحساس بأنفاسه وهي تلاحق إبداع الفنان، مسائل مؤذيّة. مثلما أن عدم الشعور بالحريّة خانق. لكن حتى مثل هذه الأمور، هي في الحقيقة، أرحم للفنان من أن تكون عوائق الوصول راجعة إلى طبيعة فنّه وأدواته!.
- الجمال غير الممسوك بعمل فني هو رغبة الفنّان. والجمال الذي لا يبدو للفنان أنه يُمكن للفن الإمساك به هو ما يعذّب الفنان، يُوجعه، ويبكيه!. يؤرّق منامه ويُلخبط أيامه!.
- ليس أتعس من فنّان، يرى جمالًا في الطبيعة أو البشر، في الكائنات أو الحجر، ثم لا يقدر على التقاطه!. وكلّما كان الفنّان أكثر براعة كان عذابه أكبر، وكانت تعاسته أشدّ!.
- ذلك لأن الفنّان في هذه الحالة، يشعر بمحدوديّته!، وبفقر سلْطة الفن وضيق أفقه!. يُشعره باللاجدوى!.
- لا شيء أكثر رعبًا على أهل الفن من مثل هذا الجمال الذي لا يُمسَك بكلمة أو نغمة أو لون أو إزميل. ولا يؤطّر في لوحة، ولا تتسع له خشبة مسرح أو شاشة سينما!.
- لماذا؟! لأن الفنّان في هذه الحالة، وأمام مثل هذا الحُسْن والجمال، يشعر بالخيانة!. إنه يخون نفسه وفنّه والناس، حين يجد نفسه مشغولًا بما هو أقل لعدم قدرته على ما هو أكثر!. تضيق به الدنيا لأنه رأى مثل هذا الجمال، شعر به وأحسّه، وتيقّن من وجوده، لكنه لم يقدر عليه!.
- أمام مثل هذا العجز يحس الفنّان بما هو أفدح من “لا جدواه”!. يُحس بخيانته!. يكاد يقرف من كل عمل قام به!.
- وكلّما كان دويّ تصفيق الناس أعلى وأشد حرارةً لما قام به، فإنه يشعر بالخزي من نفسه ومن عمله أكثر!. يستحي من الإعجاب ويودّ لو أن الأرض تنشقّ وتبتلعه!.