|


أحمد الحامد⁩
ماذا لو؟
2020-01-10
قالت العرب إن العلم نور، والعلم لا يأخذ على مقاعد المدارس وقاعات الجامعات والمعاهد فقط، هذه المواقع تعطي علماً مع شهادات ورقية، لكن الحياة أيضاً تعطي شهادات معرفية تسمى الخبرة والتجارب تعادل شهادات الجامعة وتفوقها عند بعض الناس.
أرجو ألا يكون ذلك تطميناً لنفسي على ما فعلته بها كلما شعرت بالتقصير بهذا الجانب التعليمي، هل يكتب الإنسان ما يطمئن نفسه به؟ هل يخدعها إن فعل ذلك؟ لا.. سأتسلح ببعض الأمثلة لأطمئنها تاريخياً وأرجو أن يؤثر ذلك على نفوس من على شاكلتي التعليمية، قيل إن رياض السنباطي رآه والده عند جارهم النجار وهو يعزف على العود ويغني لسيد درويش، بينما كان يجب أن يكون جالسًا مع زملائه يتلقى الدرس عند الكتاتيب وكان حينها في التاسعة من عمره، أعجب والد رياض بصوت وعزف ابنه وكأنه يتعرف عليه لأول مرة، في هذه السن ترك رياض التعليم عند الكتاتيب بعد إصابة في عينه، طاف به والده في القرى والأرياف والمدن القريبة ليغني في الأفراح، ثم أعاده مرة أخرى إلى الكتاتيب في المنصورة بعد انتقال والده إليها من دمياط، ماذا يفعل رياض بشغفه بالموسيقى بينما كان عليه أن يحفظ دروس الشيخ عند الكتاتيب، تقول سجلات الرجال الذي حفظ التاريخ أسماءهم أن شغفهم هو من انتصر أخيراً، فكم من طبيب ترك سماعته الطبية وكم من مهندس هجر مواقع البناء سعياً وراء شيء آخر يدفعه إليه شغفه ودون إرادة منه، ترك السنباطي الكتاتيب مرة أخرى حتى لا يصبح طفلاً يشبه آلاف الأطفال وحتى يصبح مختلفًا وينال لقب “بلبل المنصورة”، ثم أخذه والده إلى القاهرة، وبعد مدة تقدم لمعهد الموسيقى، رفضت اللجنة أن تسجله كطالب في المعهد بل قرروا تعيينه أستاذاً لآلة العود بعد أن استمعوا لعزفه، غير مصدقين بأنه تعلم هذا العزف الساحر في مكان خارج المعاهد، لم يطل الوقت حتى التقى بأم كلثوم، قرأت عنوان “لقاء السحاب” على العديد من الإعلانات الفنية التي يلتقي بها نجمان في عمل مشترك، لكنه لم يكن دقيقاً كما هو الحال بين السنباطي وأم كلثوم، يكفي أن أقول بأن عند أول تلامس بين السحابتين أمطرتا أغنية “على بلد المحبوب”، كان ذلك العام 1935، ثم انهمرت الأعمال التي لا نتصور أم كلثوم دونها، من يا ليلة العيد وعودت عيني وأروح لمين والحب كده ولسه فاكر وحيرت قلبي معاك وثورة الشك وأراك عصي الدمع، وصولاً إلى الأطلال، أكثر من 35 لحناً لأم كلثوم وحدها، الآن انظر إلى حياة السنباطي وما تعلمه بعيداً عن مقاعد التعليم، لست أدعو إلى ترك مقاعد التعليم، لكنني أتساءل لو أكمل السنباطي تعليمه وأصبح طبيباً أو مهندساً ماذا سيكون مصير كل الأغاني الذهبية التي لحنها السنباطي لأم كلثوم؟ تخيلوا أنها غير موجودة.