|


فهد عافت
كل قارئٍ صاحب سُمُوّ!
2020-01-15
-لاحظ: ما إن تفتح كتابًا حتى تصير أنت السقف!. يصير الكتاب بلا جدران، اللهم إلا في ذلك الجزء من الثانية التي تقلب فيه الصفحة، تستقيم الورقة كجدار آيل للسقوط، وما إن يسقط حتى يبدأ سقفك بحماية الأرض، التي هي الصفحات، وما عليها من كائنات، الحروف والكلمات والجمل، الأفكار والمعاني!.
- صحيح أن هناك عدد كبير من وضعيّات القراءة، وأن واحدة من هذه الوضعيّات التي لا يمكن تجاهلها، قراءة ما قبل النوم في السرير، وفي هذه الحالة تصير أنت القاع بينما الكتاب هو السقف والأُفُق، لكن حتى مثل هذا الانقلاب، إنما هو انقلاب شكلي فقط، الحقيقة أنك أنت السقف والأُفُق على طول الخط!. أنت، على الدوام، سماء ما تقرأ!.
- ومثلما تحلم بسماء كريمة، وأُفق واسع، وسقف مرتفع لأحلامك، فإن كائنات الكتاب، من حروف وكلمات، وسطور، ورسومات إن كانت هناك رسومات، تحلم بأن تكون سماءها كريمة، وآفاق فضاءاتها واسعة، وسقفها حامية، وقابلة لبناء أحلام مرتفعة!.
- أنت سماء ما تقرأ، فلا تخذل أراضيك والكائنات!. وأوّل الخذلان: الحُكْم المُسبَق، والرأي المُسبَق!. أنت بذلك تضيّق على كائناتك الفضاء!. تحوّل أحلامها إلى كوابيس!.
- هي في الكتاب تشعر بضيق، ودائمًا ترفع أعناقها لتنظر إليك، إلى ثوبك الأزرق الفضفاض، إلى شمسك الدافئة، إلى قمرك الذي يمشّط جدائل الليل ويكوّر نفسه مثل جوهرة في وسطه!، إلى نجومك البعيدة المتلألئة!.
- بنسائم محبّتك، بهبوب ذائقتك، تنتقل الأفكار من كتابها الذي هي فيه إلى كل كتاب آخر تقرأه!. كلّما قلّبَتْ يدك صفحة من كتاب، هبّت رياح لواقح!. أنت مُرسل من الخالق لهذا الغرض، لتلقيح فكرة بفكرة، لإنبات أرض المعاني، لتذوّق ثمر التأمّلات!.
- أنتَ لا تخذل ما لم تقرأ بعد!. قد تخذل نفسك بهذا المنع والرفض والتردد والتأجيل، لكنك بالنسبة إلى الكتاب نفسه، فإنك بعدم قراءتك له لم تصبح من سماواته بعد!. فضيلتك هنا أنك أبقيت لهذا الكتاب إمكانية الحُلم بك، وتخيّل الوصول إليك!. هذا شيء طيّب، يبقي الكلمات ساخنة وعلى أهبة الاستعداد!.
- ما إن تقرأ حتى تبدأ مسؤوليّتك تجاه كل ما رحّب “بسموّك” عليه. كل سُمُوّ قطعة من سماء!.
- وتذكّر: الناس كُتُب، الدروب كُتُب، كل حكاية كتاب، كل موقف كتاب، كل لحظة كتاب، أنتَ نفسك كتاب، وكل من يقرأك سماء ظالمة أو عادلة، رحيبة منبسطة أو ضيّقة منحسرة!.