|


أحمد الحامد⁩
كورونا والاحتفال المستعجل
2020-01-26
على قدر ما كنا سعداء نحن أبناء هذا الجيل الذي يعيش عالمًا نستطيع أن نتجول فيه عبر خرائط جوجل، ونشاهد خلالها ونحن في بيوتنا تفاصيل القرى الأوروبية أو شارعًا قرأنا اسمه في رواية. وبقدر ما أصبحت الطائرات التي تنقلنا من قارة إلى قارة في ساعات معدودة مثل قصص الخيال التي عاشت عليها الأجيال قبل مئات الأعوام.
وبقدر ما أصبح لدى كل فرد من أفراد هذا العالم مكتبة تحتوي على ملايين الكتب والبرامج والوثائق في جهاز هاتفه الصغير، بقدر كل هذا يوجد الرعب من مرض كورونا الذي ضرب بعض المدن الصينية، وكأنه يقول لنا إن وجوده في مكان محدد في العالم يعني وجوده في أي مكان في العالم، وإن تحويل الإنسان هذا العالم إلى قرية صغيرة وافتخاره بهذا المنجز كان احتفالاً متسرعًا.
يقال إن سبب كورونا هذه المرة بسبب أكل الصينيين لبعض الثعابين وطيور الوطواط، هكذا تجعلنا القرية نتحمل تبعية تصرفات لم نفعلها نحن في الجانب الذي نعيش فيه، لكن أحدًا في عالمنا فعلها فأصبح على كل سكان القرية دفع ثمن ذلك، تمامًا مثل استفادتنا من أي منجز علمي يحققه أحدهم فنستفيد نحن منه أيضًا كوننا في قرية واحدة ولسنا في قارات متباعدة.
بعض البشر في العديد من الدول في عام 1920 لم يكونوا على علم بأن حربًا عالمية مشتعلة، وبعض سكان العالم عام 1940 لم يعرفوا ولم يشعروا بأن حربًا عالمية استمرت خمس سنوات وراح ضحيتها عشرات الملايين قامت وانتهت وغيرت خريطة العالم، نحن لا نعلم أي زمن هو الأفضل حقيقة، كون هذا الزمن المتطور يحمل في قوته أسباب ضعفه.
لا نعلم فعلاً كون الوباء الآن يمكنه الانتشار في كل القارات خلال يوم واحد، وأن عدة صواريخ فقط طورها الإنسان بشكل علمي لا يصدق أنها تبيد بلدانًا بأكملها، وأن الإنسان بطبيعته خطاء، فأي خطأ سيرتكبه يبيد فيه خلال دقائق الملايين من بني جنسه، إن لم يفعلها الوباء الذي يسعده أن يصعد على مقاعد الدرجة الأولى وينتقل خلال 15 ساعة من أمريكا إلى أستراليا، في رحلة احتفل بها الإنسان على أنها أطول رحلة بها الطائرة دون أن تتوقف، دون أن يعلم بأنه يقدم خدمات الدرجة الأولى للوباء!