|


سعد الدوسري
الإعلام الحجري
2020-02-01
أشرت في مقال سابق عن المصير المهدر إلى أصوات الشباب في الثمانينيات، حين لم تكن هناك منابر أو منصات تعبير، سوى الإذاعة والتلفزيون الرسميين، والصحافة شبه الرسمية، وكيف أن الجهازين المسموع والمرئي كانا يلقنان المشاركين في برامجهما نفس عبارات المديح، في حين كانت الصحافة تتيح الحد الأدنى من النقد والمكاشفة للقطاعات الخدمية.
بعد ذلك، بدأ الفكر الصحوي يسيطر على المنابر غير الإعلامية، عبر النشرات والتسجيلات، وازداد تضييق الخناق على الوسائل الإعلامية، إلى أن أشرقتْ شمس الإنترنت في نهاية عام 1999، ليكون عدد مستخدمي هذه التقنية الجديدة، بعد أشهر من دخولها عالم التعبير عن الرأي، 200 ألف مستخدم، وليصل الرقم خلال سنوات قليلة إلى 16 مليونًا، في مؤشر واضح إلى أن حاجة الشباب السعودي لمنبر للتعبير لم تكن ماسة فحسب، بل مصيرية.
في ذلك الوقت، نشأ الصراع على الفضاء العنكبوتي، بين المثقفين وأنصارهم من الشباب المتعلم وبين التيارات المتشددة دينياً، وكان صراعاً حيوياً، أفرز نمطاً لافتاً من أنماط الوسطية، وهو النمط الذي مهّد الطريق لكل من يرغب في الدخول في الصراع بين هذين الفكرين، دون التخلي عن الثوابت الدينية والاجتماعية. وهذا كله يحدث، بعيداً عن سيطرة الأجهزة الرقابية. وظلّ الحال كما هو عليه، حتى أحداث سبتمبر 2001، التي غيّرت مفاهيم التواصل الإعلامي، لتظهر بعده وفي العامين 2003 و 2004 مواقع جديدة مثل ماي سبيس وفيسبوك، ثم يوتيوب وتويتر عامي 2005 و2006، ليشهد عالم الشباب قفزة تاريخية هائلة في التعبير المباشر والحر والمتكامل العناصر، وليصير السعوديون من أكثر مستخدمي هذه الوسائل في العالم أجمع، يعبرون فيها عن أنفسهم، ويدافعون من خلالها عن وطنهم.
إن حجم الإعجاب بمشاركات الجيل الشاب، في تأييد مرحلة الإصلاحات والتحول في السعودية، يقود إلى حقيقة مهمة، وهي أنهم هم المحرك الأساس لها، وهم من أعدَّ تربتها. وكل من يحاول أن ينكر ذلك، فهو يغطي الشمس بغربال! ولذلك، لا أجد مبرراً للاستفادة من غير الشباب في المراكز القيادية والحيوية اليوم، مهما كانت المبررات، الخبرة أو العلاقات، فها نحن اليوم نشهد أمثلة حيوية لعجزهما على صناعة مشروع ناجح، في مختلف المؤسسات الحكومية والأهلية. ولو كان حدث غير ذلك، فهو ليس استثناءً، لكنه محاولة لتجميل الموت الرحيم لمرحلة كانت تحتفي بالقيادات الديناصورية.