|


فهد عافت
مُكافأة!
2020-02-11
ـ بحمد الله، نُتِمّ حديثنا الذي بدأناه بالأمس:...
ـ إن قَدِرَ كتاب ما، أو أي عمل فني أو أدبي، على البقاء فترة طويلة، طويلة بمعنى طويلة حقًّا، ليس أقل من مئة عام، مثلًا وتقريبًا!. سأعرف أنه يحمل في داخله سرّ جودته، حتى لو لم أعرف سبب الجودة ولم أصل إلى السّرّ!. ونعم، هناك استثناءات، لكنني أتحدث بالعموم!.
ـ الزمن لا يؤكد فقط جودة العمل، هو، أيضًا، يمنحه مكافأةً كبيرة بمعنى الكلمة!.
ـ كلّما مرّ زمن طويل على أي شيء، وليس على الأعمال الفنيّة فقط، وإن كان استثمار الفنون لهذه المكافأة أوضح!.
أقول: كلّما مرّ زمن طويل على شيء، غيّر منه وبدّل فيه، ومنحه أبعادًا أخرى، وآفاقًا أوسع!. أحيانًا، يقلبه رأسًا على عقِب، ومع ذلك وبذلك يخدمه ويُبقيه!.
ـ ما إن يتقدّم عمل فني في الزمان، حتى يصير “خلّاقًا” بشكل أو بآخر!.
ـ ذلك أن الزمن يُتيح ألف طريقة وطريقة، تسمح بانفلات العمل من مقاصد الفنّان الأولى!، لصالح مقاصد أُخرى، جديدة، لم تكن في خيال الفنّان وحُسبانه!.
ـ الفرق، أن القديم ما لم يكن فنًّا أو أدبًا، لا يحتاج إلى مادّة من داخله لإضفاء مثل هذه التأمّلات الجديدة!. يمكن لكل واحدٍ منّا تجريب ذلك، فيما لو ظل محتفظًا، مثلًا، برسالة قديمة من أي أحد!. الزمن سيعطي كلمات هذه الرسالة، وشكلها، وورقتها، والخط، والصورة أو الرسمة المُرفقة، أبعادًا أُخرى!.
ـ العمل الفنّي الجيّد، يكون فيه من داخله، بوعي وبلا وعي من صانعه، ما يسمح بمثل هذه التدفقات المضيفة الحاذفة!، تلك هي طاقته السحريّة، التي بها ومن خلالها يبقى!.
ـ بل، إنّ أحد أهم أسرار افتتاننا بأي عمل فنّي، كامن في قدرته على منحنا الإحساس بالقدرة على التّحرّك في الزمن، حركة حرّة طليقة خارج حدود المنطق الفيزيائي!.
ـ معظم الأفلام السينمائية التي اتخذت من الحركة الحرّة في الزمن، وكان أبطالها قادرين على الرجوع إلى الماضي وتغييره أو التقدم للمستقبل وتجييره!، نجحت لهذا السبب: لإن الإنسان مُغرم، ولديه رغبة داخلية أصيلة، بالتحكم في الزمن الذي يتحكم فينا!.
ـ ومن هنا، يمكن لنا تفسير أهميّة الفنون والآداب، فهي تحقق لنا ذلك بوفرة وكرم!. ولذلك نقبل الغموض الفنّي برحابة ومحبّة!.
ـ تفطّن معي لكلمة “مَجاز” هذه التي يُبنى على أساسها كل فن!. في داخل كل “مجاز” هناك عمليّة “تجاوز”!، والتجاوز لا يعني التخلّي عما سبق، لكنه يعني احتوائه والقفز به إلى لحظة مقبلة، إلى زمن آخر لم يأتِ بعد، لكننا تمكّنّا من الذهاب والوصول إليه من خلال “المَجَاز”!.