|


فهد عافت
فائدة الفلسفة!
2020-02-23
- يقول: ما فائدة الفلسفة؟!. وأقول: هذا سؤال فلسفي!. ويظل فلسفيًّا أيًّا كانت دوافعه وطرائق عرضه: تهكّمًا أو حصافةً!. الفلسفة ليست ضد التوقير لكنها لا تصد الطنز أيضًا!.
- ومعنى أنه سؤال فلسفي، هو أنك تبحث، أو أن السؤال نفسه سيحرّض على البحث، عن الحكمة من الفلسفة نفسها!. وبما أن السؤال تضمّن كلمتين: “ما فائدة الفلسفة”؟، فإن البحث سيكون عن معنى وماهيّة “الفائدة” من جهة، ثم عن معنى وماهيّة “الفلسفة” من جهة أخرى، ثم عن الحكمة من الربط بين الكلمتين: فائدة الفلسفة!.
- هل الفائدة هي دفع المضرّة أم الربح؟!. لو انتبهت للتاريخ للقيته عاش صراعات، زالت به حضارات وتأسست مكانها حضارات، بناء على تبنّي شعوب ما في أزمنة ما، أحد هذين المعنيين لكلمة “فائدة”!. أو لقدرة أمّة ما، وعجز أخرى، عن المزج بين المعنيين في مقادير سليمة أمام مواجهات الأحداث ومتغيّرات الزمن!.
- وبما أن جذر الفلسفة ومعناها وأصلها: حب الحكمة. فهي تساؤل دائم، وأبدي، عن الحب والحكمة معًا!.
-هل الحب أخذ أم عطاء؟!. دون الحصول على إجابة عن هذا السؤال، حتى لو كانت إجابة مازجة، فإنّه لا يمكن لك القفز من بدائية همجيّة إلى حضارة ذات قانون!.
- وهكذا، فإنه لا يمكن للإنسان التطوّر، ولا الإحساس بالأمن، وبالتالي لا يمكنه الإحساس بالسعادة دون فلسفة، أي دون تلاقح حب بحكمة!.
- خطورة الفلسفة، أو سبب الرعب منها، في أنها لا تقودك بالإجبار لتعتقد أو تعتنق!. تسلسل لك الأفكار وتفتح لك باب التدبّر ثم أنت وشأنك!.
- وفي الإجبار راحة!. قد لا تكون جسديّة، لكن في الإجبار راحة ضمير حتى وإن كانت كاذبة!. خليط من الوهم والكسل، يتبعهما شعور بقوّة الجماعة!.
- فارق أساسي، حد القطع، بيننا وبين بقيّة الكائنات الحيّة على هذه الأرض، يُردُّ إلى انشغال الإنسان بالأسئلة: لماذا نحن هنا؟!. ما الذي ينتظرنا؟!. وكيف بدأ الخلق؟!
- هذا السؤال الأخير، أمر ربّاني. فرض عين أو فرض كفاية: “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ”. السّيْر هنا لا يمكنه إلا أن يكون فلسفيًّا!. على الأقل لا يمكن البدء به إلا فلسفيًّا!.
- حسنًا، ولماذا نسير لمعرفة الكيفية التي بدأ بها الخلق؟!. ببساطة لأن مثل هذه المعرفة تضع حدًّا فاصلًا يُثبت وجود الله، يثبته عمليًّا وعقليًّا!.
- نظريّة الانفجار العظيم، الشهيرة باسم الـ “Big Bang”، تجد، إلى اليوم، معارضة وسخرية وتقليلًا من شأنها، والغريب أن ذلك يحدث من طرفين: جاهل مغلق التفكير، وعلماء أجلّاء في مجالهم!. دعك من الجهلة!. معظم العلماء “الأجلّاء” في مجالهم، يعارضونها، محتفظين بآرائهم في “أزليّة” الكون، لأنها تؤكد وجود الله سبحانه!. وهو الأمر الذي -عند لحظة معيّنة- يهدّ معبد الفيزياء على رؤوسهم!.
- نظرية الانفجار الكوني، والتي هي في حقيقتها ليست انفجارًا، وإنما اشتهرت بذلك بعد استهزاء تلفزيوني بها، حيث وصفها أحدهم بالـ “Big Bang” سخرية بها ومنها، لكن وقْع الكلمة كان شاعريًّا فيما يبدو لدرجة أزاحت التمدد وأحلّت محلّه الانفجار!. هذه النظرية تؤكد أن للكون “بدء”، وبما أنه كذلك فهو “مخلوق”، وبما أنه مخلوق فهناك خالق!.
- فكرة الانفجار العظيم، هي التي خطرت في بالي الآن، لكن يمكن لك اقتراح أي أمر آخر، وستجد أن الخير فيه يتلاشى، والفائدة تنسحب، وينعدم معناه في غياب الفلسفة!.
- وكلّما فُقد معنى شيء خارجك، فُقِد شيء من معناك أنت!. معناك الداخليّ!. وعليه فإن أهمية الفلسفة وفائدتها هي أنها تحافظ على وجودنا، وتمنحنا قيمة لهذا الوجود، تُشعرنا بحق الدفاع عنها، وبالتمدد فيها، والسعادة من خلالها!.
- دون فلسفة لا يمكن الوصول إلى مثل هذه النتائج، ولا نصرة احتمالات العقل فيها ولها!. فهل الفلسفة فريضة كان فهمها مخبّأً علينا؟!.
- أنا ممن يظنون ذلك!. ولا أرى في: “أَفَلَا تُبْصِرُونَ”،”أَفَلَا يَعْقِلُونَ “،”أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ”، إلّا تحريضًا للحكمة وتحبيبًا فيها، إذ لا شيء يمكنه أن يتقدّم خطوة واحدة إلى الأمام دون حكمة، ولا حكمة دون حب، والفلسفة: حب الحكمة!.