أحمد الحامد⁩
البدايات
2020-02-23
بالأمس كتبت عن القطار، ثم أرسلت المقال دون السطر الأول. حدث ذلك خطأً، فظهر المقال بشكل غير سليم، لأنه فقدَ بدايته. اعتذرت من الزملاء في الصحيفة، ثم لمت نفسي على ضياع سطر البداية، والبداية من أهم ما يُكتب في المقال تمامًا مثل الكلمات الأولى التي تقولها عند لقاءك الأول أي إنسانٍ، إذ تؤثِّر تلك الكلمات إيجابًا، أو سلبًا فيه، وفي صورتك أمامه.
وبداية الكلمات الصحيحة التي تقولها، هي أيضًا التي تُهدِّئ من انفعال الغاضب، وتُطمئِن قلب الخائف، وهي نفسها، إن كانت خاطئةً، التي تعطي عكس التأثير الذي كنت تسعى إليه.
في الشعر يؤثر مطلع القصيدة تأثيرًا كبيرًا في المتلقي، وفي القصيدة نفسها، حتى إن بعض البدايات الرائعة في المطالع، تبقى دون تكملة بسبب اكتفاء شاعرها بتلك القوة التي بدأ بها، وحتى لا يكتب أبياتًا تبدو أضعف منها، فيُضعفها ويُضعف قصيدته إن اكتملت. وفي القصة والرواية عادةً ما تكون صفحات البداية، هي لقاء التعارف الأول الذي يترك انطباعه لدى القارئ، فيقرِّر متابعة القراءة، أو البحث عما هو أكثر لفتًا للانتباه.
والبدايات الجيدة في العلاقات الإنسانية، هي التي تحفظ الود والوفاء، وتزرع الشعور بالامتنان للآخر، كونه صاحب معروف، أو مبادرة طيبة، وهي التي تمسح الخلافات إذا ما تم البدء بمرحلة جديدة سليمة، وهي التي تعطي الانطباع بين الزوجين عن بعضهما في بداية حياتهما الزوجية، حتى في عالم الأعمال تبقى البداية الجيدة أمرًا حاسمًا في النجاح، وكم من مشروعات، صُرِفَ عليها الكثير من الأموال، وفاقت ما تستحق دون أن يتحقق لها النجاح بسبب سوء بدايتها.
يترك مدرب كرة القدم الجديد انطباعًا رائعًا لدى الجمهور والإدارة إذا ما حقق الفوز في مبارياته الأولى، ويعدُّ اختياره لتدريب الفريق صفقةً رابحة، ويزرع اللاعب الثقة في عقل مدربه إذا ما قدَّم أداءً متميزًا في مبارياته الأولى كذلك، فيبقيه ضمن تشكيلة الفريق الأساسية مدةً طويلة حتى إذا انخفض شيءٌ من مستواه، كونه ترك انطباعًا جيدًا في بدايته. حتى في البرامج الإذاعية والتلفزيونية، تعدُّ البداية الجيدة الهدف الأول الذي يسجله فريق البرنامج منذ بداية وقت البرنامج، وتعزز الثقة لديهم، وترفع من معنوياتهم، وتزيد من تركيزهم. منذ يوم أمس عندما قرأت المقال الذي نشرته دون سطر بدايته، وأنا أشعر بالتقصير، فلا حديث ممتع دون بداية شيقة.