|


فهد عافت
نصائح الشعر الكورونيّة!
2020-03-25
-النصيحة في الشعر، انتقاص من أمرين، من النصيحة ومن الشعر معًا!. تقويض لكليهما!.
-الإنسان لكي ينصح، فإنه بحاجة إلى معاني محدّدة، واضحة، مباشرة، تختصر تجربة بكلمات راشدة وتريد الإرشاد!.
هذه الأمور ليست من طبيعة الشعر!.
تُثقل حركة الشاعر المبدع!.
تُحمّل رِكَاب فنّه جُندلًا وحديدًا!.
-مثل هذا الأمر لا يَسْهل إلا على أقلّ الشعراء موهبةً وفهمًا، فإنْ وُجِدَتْ استثناءات فإنه لا يُعَوّل عليها!.
-أمّا أشباه الشعراء فنعم، يقدرون على المُضي في الخطوط المستقيمة، يكتبون على السطر تمامًا!. وزن صحيح، قافية سليمة، ولافتات إرشاد واضحة ولا تقبل فَهْمين!. والشعر من الأساس ليس فهمًا!. الشعر إحساس!.
-ولا أظن أنّ من يكتبون الشعر بهذه المقادير المطبخيّة!، أهلٌ لتقديم نصائح من أي نوع!. لو كان لهم من الفطنة شيء، لنصحوا أنفسهم بالابتعاد عن الشعر!.
-الشعر حالة شغب. الفن كلّه لعب والجديّة للطب والحساب وبقيّة العلوم!.
-الشاعر، مثله مثل كل فنّان، لا يختصر بفنّه تجربة، حتى لو بدا أنه يفعل!.
-الفنّان حتى وإن توهّم أنه يكتب خلاصة تجربة ما، فإنه في الحقيقة يدخل تجربة جديدة أعقد، بمحرّد الدخول في عمله الفنّي!. إنه يعيش تجربة لا يعرف خلاصتها، ولا حتى أسباب ولعه بدخولها!.
-الشاعر حين يكتب، فإنه داخل الورطة المبجّلة، وليس خارجها ليقدّم نصائح أو خلاصة!. هو في مُثنّى الإحساس والرّتْم، ولا يدري عمّا سوف يتولّد من معاني!. يكاد يقع على المعنى صدفة!.
-يقوده الرّتم، في حالات ياما، إلى كلمة بعينها. لم تكن في باله، ولا في سياق المعنى الذي كان يريد!، لكنه وما إن يقع عليها حتى تنفتح له آفاق تجعله يزهد في ما كان يريد، ويطمح في ما لم يعد يعرف ماهيّته إلى أن يقع عليه!. تمنحه الكلمة مفاتيح سحريّة لا علاقة لها بالمنطق وحسابات المدروس من قبْل!.
-الشاعر، حتى وإن رغب في النصح، تحكمه الكلمات، ويأتمر بالقافية!. من قال لكم إنّ الشاعر يقول ما يريد؟!. ما أسهل الشعر لو كان كذلك!.
-الشاعر يقع على ما يحب، لا على ما يريد!، ويقع عليه بأثر من تلاقح الإيقاع بالكلمات بالإحساس بشروط فنّه الشعري العامّة والخاصّة!.
-إنه لن يكرر القافية مثلًا، فيما لو كان له نصيحتان تتطلبان التكرار لإقامة المعنى!. سيختار لإحدى النصيحتين كلمة أخرى يقفّي بها!. وبتغيّر الكلمة يتغيّر المفهوم والمعنى والمُراد!. لن يهدم بيت شعره من أجلك!. يخرب بيتك ولا يخرب بيت شعره!.
-النصيحة أقرب إلى الحساب والعلم!. إلى التجارة أو الطب!.
رِبْح الفنّان خسائره!.
كلمات الشاعر، كلّ أحرفها “عِلّة”!.
-أخيرًا: لا أدري عن صواب رأيي هذا، لكني أدري عن خطئه!. ذلك لأنّه قاسٍ وحاسم!. وعن تجربة، خبرتُ جيّدًا، ندمي على كل رأي طيّرته في الفضاء بجناحيّ: الحسم والقسوة!.
ولقيتني بعد كل فترة من الزمن، أخجل وأتراجع عن تلك الآراء المحمولة على هاتين الصّفتين!.
-لماذا أنتظر الوقت إذن؟! أتراجع من الآن، وأقول: قد لا يكون هذا رأيًا حصيفًا، وقد لا يكون رأيًا أصلًا!. لكنه ذوقي الخاص، فهمي وإحساسي اليوم، الآن، أثناء كتابة هذه المقالة، ونعم قد يتغيّر!. فإن تغيّر ولدي قدرة ومجال، فسأكتب من جديد!.