|


رياض المسلم
«أكل ومرعى وقلة صنعة»
2020-03-28
في منتصف التسعينيات، مجلس صغير في بيت جدتي لوالدتي رحمها الله يجمعنا يطلق عليه “ملحق خارجي”، كنت عاشقًا مع أبناء أخوالي لعبة البلوت وتعلقنا بها في مستهل مرحلة الشباب كحال بقية جيلنا، فكانت أهم وسائل الترفيه يومها، في الملحق ذاته.. إحدى اللمبات متعطلة، و”المكيف” يحتاج إلى من يبرد عليه، ومقبض الباب مكسور، و”الأنتل” أو “الإريل” وهو الجهاز السحري الذي يجعل شاشة التلفاز صافية.. يرثى لحاله..
ووسط حماس البلوت ارتفعت أصواتنا فمن يمارسها يدرك بأنه أمر طبيعي، ولكن من هو خارجها يعتقد بأن الأيادي اقتربت من التماسك، إذ بجدتي التي لم تكن تلعبها بالطبع، تسرع إلى الملحق فكانت تعتقد بأن مشكلة كبرى حدثت.. وعندما فتحت الباب شرحنا لها بأنه حماس لعبة فهزت برأسها مبتسمة.. فلم تغضب رغم أن الموقف يستحق ذلك، فحمدنا الله أنها لم تزعل..
قبل أن تغلق الباب شاهدت الأمور المتعطلة في الملحق وطلبت منّا بعد الانتهاء من اللعب أن نصلحها ودلتنا على مكان “العدة”، وهي المفاتيح المخصصة للتصليح وقالت: “كيف تقدرون تجلسون وحولكم كل شيء خربان، صلحوها أحسن لكم”..
نظرنا إلى بعضنا وقلنا لها: “يا أمنا نوره والله ما نعرف نصلحها، خلينا نشوف عمال”، هنا غضبت علينا فلم نتوقع ردة فعلها وقالت: “صدق من قال أكل ومرعى وقلة صنعة”، طأطأنا رؤوسنا وسط سيل من الكلمات التي كنا نعتقد بأنها جارحة في ذلك الزمن ولكن فيما بعد أدركنا بأنها تحفيزية..
الواقع المرير يقول بأن الكثير من الشباب السعودي يعتمدون على العمالة الأجنبية في المهن البسيطة، ولا أبرئ نفسي.. فعندما يتعطل شيء في المنزل نركض للبحث عن عامل وعندما نشاهده يصلحه نقول جملتنا الشهيرة، “والله أثر الموضوع سهل”، ولكن للأسف لا نتعلم.. تعود المشكلة من جديد ويعود معها العامل وتعود الجملة الشهيرة..
في أيام الأجداد لم يكن هناك عمالة أجنبية تدخل المنازل فكان رب الأسرة والأبناء هم من يتولى المهمة، أياديهم كانت متسخة بالعمل ولكنها بيضاء بالعطاء..
وسط أزمة كورونا، نسمع عن شخص يبحث عن حلاق وآخر متورط في لمبة لا يعرف استبدالها والأدهى ثالث يسأل عن طريقة قص الزرع، هنا أدركت حينها المعنى الحقيقي لمثل جدتي، ولماذا غضبت علينا في ذلك الزمن ولم تغضب من أصواتنا المرتفعة في البلوت، فليس من المنطق أن نعتمد على العمالة في كل شيء.. علينا أن نكتسب مهارات جديدة ونقلل من دخول “كل من هب ودب” إلى منازلنا ليصلح أعطالاً تافهة ولا نعرف مستوى نظافتهم.. هذا الوباء يقدم لنا دروسًا.. فهل من مستفيد؟!