|


فهد عافت
شرح القصيدة!
2020-04-15
- هل يُمكن شرح قصيدة؟! ربما، لكن أن يُطلَب من شاعرها نفسه القيام بهذا الأمر، فهذا ما لا أقدر على تقبّله!.
- فيما يخص قصائدي، لا أتصوّر نفسي صالحًا لمثل هذه المهمّة. لا أعتبرها مُهمّة أصلًا، فإن اعتبرتها كذلك فكأنني اعتبرت أنّ قصائدي هي التي ليست مهمّة!. وقد تكون قصائدي ليست مهمّة فعلًا بالنسبة لكثيرين، هُم أحرار في ذلك، ولهم كامل الاحترام والمحبّة، لكن قصائدي مهمّة بالنسبة لي، بعضها على الأقل، ومن حقّي اعتبارها كذلك، وما دمت أعتبرها كذلك، فإن جلوسي، أو وقوفي، لشرحها، يبدو معيبًا لي ولها، وربما للقارئ أيضًا!. معيبًا، لأنه بلا معنى!.
- يمكن الحديث، للتسلية والمؤانسة، عن القشّة التي قصمت ظهر “العبير”!. أعني أنه يُمكن للشاعر الثرثرة، قليلًا، عن آخر سبب ظاهر قاده لكتابة قصيدة بعينها. مثلما يُمكنه الحديث، من بعيد وعلى استحياء وعجالة، كاشفًا بعض الألاعيب الفنيّة، أو المتاعب، في، وأثناء كتابته لها!. أقبل هذا من بعضهم، بل أستلطفه من بعض هذا البعض!، وربما وقعتُ في مثل هذا الأمر مرّة أو مرّتين، ربما أكثر، وأظن أن العفويّة في هذا هي المَحَكّ!.
- أمّا أن “يَتَمَرْكَى” الشاعر، ليشرح قصيدته، فهذا ما لا أطيقه ولا أقدر عليه!.
- اسمها قصيدة!. أي أنها “قَصَدَتْ” قول شيء، والمفروض أنها قالته وانتهتْ!.
- ثمّ إنّ الشعر كلّه، موسيقى كلمات، بما في ذلك قصيدة النثر، والتي تخفي موسيقاها داخلها، وتحتاج لحساسية أعلى لتَنَشُّقِ طيب هذه الموسيقى الشفّافة!. الكتابة كلها موسيقى، لكن الشعر أعلاها قَدْرًا في هذا الشأن، وأكثر أنواعها تمسّكًا بـ”النّوتة”!.
- أنتَ لا تستطيع أن تشرح أغنية!. الأغنية تُسمَع وتُحسّ ويتسرّب تأثيرها في داخلك دون مَعُونَة من أحد!. نعم، قد يضيء لك أحدهم دربًا، ويكشف لك عن زاوية جديدة للتأمّل فيها، وهذا أمر طيّب، لكنه ليس إلا نقطة في بحر علاقتك مع الأغنية، تلك العلاقة الممتدة من هزّ المهاد إلى ما لا نهاية!.
- هل قلتُ “مِن هزّ المهاد”؟! أعتذر، قَصَصْتُ من قماشة الثوب كثيرًا: الموسيقى تبدأ مع أول ثلاث دقّات من قلب الجنين!. في هذه اللحظة تبدأ علاقته بالرّتم والإيقاع، وهو حين يتعرّف على الموسيقى فيما بعد، فإن جزءًا من نشوتها الساحرة، يرجع به إلى زمن ما قبل الولادة!.
- الأمّهات يعرفن أكثر، أنّ بكاء الرّضيع من الجوع يختلف عن بكائه من النّعاس يختلف عن بكائه من وخزة في السرير!. النساء أقرب إلى الإحساس بالشعر من الرّجال، هذا ما أظنّه وأعتقده!.
- ما مِنْ لحن يطير بنا، إلا وفي داخلنا شيء، خفيّ ومُبهَم، يقول لنا إننا سمعنا هذه النغمات من قبل!. أين.. متى.. كيف؟! لا ندري!.
- الشعر يتمسّك بهذا الحنين الموسيقي، لا يتنازل عنه. واسألوا الشعراء، تجدون أن غضبهم واستياءهم من تغيير كلمة، مع الاحتفاظ بالرّتْم، على لسان من يردد قصائدهم، أهون عليهم من قراءة الكلمة نفسها قراءة مُلتَبِسَة، تُفرغها من موسيقاها!.

- القصيدة مكتوبة، مثلها مثل المقطوعة الموسيقيّة مكتوبة، ومرسومة، و”مُنَوّتَة”: إنْ كانت لديك مهارة قراءة نقوش “النّوتة” وعلاماتها، أمكنك عزف المقطوعة، فإنْ عزفتها في ذهنك أو على آلة تجيد العزف عليها، فقد قالت لك الموسيقى كل ما لديها، دون شرح، ذلك لأن ما لديها، هو في الحقيقة ما لديك ولكنك نسيته أو تجاهلته أو فقدته!.
- الشعر موسيقى!. كل ما يمكن لك هو: عزفه، أو سماع كلماته بلحنها الذي هو منها وهي فيه!. عزْل الكلمات عن موسيقاها بحجّة شرحها، جريمة خَنْق!. على الأقل، هي كذلك، حين يقوم شاعر القصيدة نفسه بمثل هذا الفعل الشنيع!.
- هذا لا يمنع من وجود فوائد ممتعة حين يقوم ناقد ما بتحليل نصّ شعري. مع يقيني، وأقولها عن خبرة قراءة أحسبها جيّدة: لا يمكن لناقد لا يمتلك أذُنًا موسيقية فطنة وذكيّة، أن يُنجز شيئًا مهمًّا في هذا المجال!.