|


فهد عافت
طحالب الصّبايا!
2020-04-18
ـ لا أدري لماذا شغلتني هذه الحكاية، ربما لأنني أتشكك كثيرًا فيما أسمّيه تهكّمًا: الثقافة “القوقليّة”!. وربما لأن “بيكاسو” هو ثاني أكثر رسّام عالمي، بعد دافنشي، قرأت عنه وحاولت تتبّع أعماله، وربما لأنني كنت مشغولًا بإعداد مادّة عن سينما عادل إمام، وقد تضمنت ملاحظة مُوحشة: استهانة عادل إمام، شبه الانتقامية، من الثقافة والمثقفين، وهو ما يمكن تتبّعه بسهولة في أفلامه الأخيرة التي راح “يوسف معاطي” يفصّلها بذكاء على قدر طاقة الزعيم الجديدة مع تقدّمه في السِّنّ!.
ـ المهم أن لوحة “طحالب الصبايا”، وحكايتها، شغلتني!. وبشيء من الغيض المرح، الذي لا أعرف تفسيرًا له، رحت أتتبّعها!. ربما حاولت تجاهلها أول مرّة، لكنها ظلّت تتقافز أمامي، مرّة في تويتر، ومرّة في سناب شات، ومرّات في الواتساب!، وإليكم الحكاية:
ـ يُقال إنه خطرت لبابلو بيكاسو، يومًا، فكرة عابثة ساخرة، فجاء بقطعة قماش بيضاء، قرّبها من ذيْل حمار مربوط، بعد أن صبغ الذّيْل بخليط من الألوان. راح الحمار يحرّك ذيْله يمينًا و يسارًا، صعودًا و هبوطًا، حتى ارتسمت على القماشة خطوط لا معنى لها؟!. وقّع بيكاسو، وعرض اللوحة تحت اسم “طحالب الصّبايا”!.
ـ تهافت عليها النّقّاد مديحًا!. بعضهم عجز عن إيجاد الكلمات المعبرة لأنها فاقت التصور!. تناقلت الصحف حديث النقاد!. ملأت اللوحة الدنيا وشغلت الناس!. وبيعت، وقتها، بـ”350” ألف جنيه إسترليني!.
ـ أُقلّب مكتبتي!. ثلاثة كتب مهمّة عن بيكاسو. أهمها في هذا الشأن كتاب جون بيرجر: “بيكاسو نجاحه وإخفاقه”. وهو الكتاب الذي قُوبِل من طرف عشّاق بيكاسو بهجوم كاسح لدى صدوره بحجّة أنّ المؤلّف لم يترك شاردة يمكنها تشويه فنّ الرّسّام العبقري، إلّا وجاء بها!. ورأيي: ربما فعل بيرجر ذلك، لكنه قدّم لنا كتابًا يكشف، بل يدافع، عن عبقرية بيكاسو!. ولا أدري، حقيقة، كيف يُمكن لكتاب كهذا أن يُنتقد بحجة أنه يسيء للعبقريّة والنّبوغ!.
ـ المهم: لم أجد ذِكْرًا لهذه الحكاية في كتاب جون بيرجر!. ولا في أي كتاب آخر!. كما لم أقع على لوحة لبيكاسو بهذا الاسم أصلًا.. “طحالب الصّبايا”!. وهو، على أي حال، اسم سريالي!. السريالية شيء والتكعيبية شيء آخر!. الغموض لا يعني تشابه غامضين!.
ـ معظم ما شاهدت من لوحات لبيكاسو، يُمكن تفسيرها، بل تكاد تكون أقرب إلى حكاية طفولية!. جريئة، وقحة، متوتّرة، متفلِّتَة، ولعوب، لكنها تبدو كما لو أنها لا تعرف ذلك ولا أنها كذلك!.
ـ وواصلت البحث: لا أقول برفض إمكانية حدوث مثل هذه الأمور، ووقوع مثل هذه الحكايات، فلأهل الفنّ شطحات فوق عجائبية!. لكنني لم أستدل على شيء!. قرأتُ أن الحكاية وردت في مقدمة كتاب “مطالعات في الشعر المملوكي الأيوبي” للدكتور بكري شيخ أمين، وفشلتُ في الحصول على هذا الكتاب، الذي يبدو من “قوقل” أن له اسمًا آخر: “مطالعات في الأدب المملوكي والعثماني”!.
ـ أخيرًا، لجأتُ إلى صديقي “عبد الله الحمود الرشيد”، المشغول بفطنة وفتنة دائمتين في هذا المجال. ما إن طرحت عليه مشكلتي، حتى راح يُقلّب ذاكرته وأوراقه وكمبيوتره. لأيام شغله الأمر. سأل من يثق برأيهم من أهل الفن التشكيلي، وراح يبحث في المواقع غير العربية، يترجم صفحة هنا، ويقع على كتاب هناك، وفي الأخير، هذا كل ما توصّل إليه:..
ـ في رواية اسمها “مدام بيكاسو” لـ:”آن جيرارد”، يوجد سطر مبهم، على لسان فنان تشكيلي متواضع، يظن نفسه عاثر حظّ، يحكي بشيء من الغيرة لفتاة يحبها وهي مبهورة فيما يبدو ببيكاسو، يقول: لكنني أرسم أفضل من ذيل حمار!.
ـ تُرى، هل هي حكاية مُلفّقة؟!، هل هي سطر في رواية ليس إلا؟! هل هي من نباتات المعرفة “القوقليّة” خائبة الرجاء؟! أم أن للحكاية أصلًا وفصلًا؟! وهل لبيكاسو أصلًا لوحة بعنوان “طحالب الصّبايا”؟!. لا أدري، ولا أُفتي، وأطلب المساعدة!.
ـ ويظل السؤال: لماذا تشتهر مثل هذه الحكايات العبثيّة، وتتصدّر المشهد، أكثر بكثير من قراءة حصيفة، رشيقة، نابهة، لعمل فني، أو لتجربة فنيّة جديرة بالتأمّل؟!.
ـ هل يمكن اختصار الشعر ببشّار بن بُرد، ثم اختصار بشّار بن بُرد بـ:
“ربابة ربّة البيتِ ..
تصبّ الخلّ في الزّيْتِ... لها عشرُ دجاجاتٍ ...
وديكٌ حسَنُ الصوتِ”؟!.