|


فهد عافت
استعلاء ثقافي!
2020-04-19
ـ يشتكي لي صاحبي، أو لعلّه يواسيني!، ويقول: “يا أخي، الواحد منّا يكتب في تويتر رأيًا عميقًا، يناقش قضيّة حسّاسة، أو يضع رابطًا لكتابة مهمّة، ثم لا يتلقّى من “الرتويت” إلا القليل القليل، ولكنه فيما لو كتب سطرًا شاطحًا عن مباراة كرة قدم انهالت عليه “الرتويتات” والردود”!.
ـ أظن أن ردّي فاجأه، قلت: هذا هو الطبيعي، والأكثر عقلانية!. “تويتر” بهذا يعود لأصله، للفكرة البسيطة الطّيّبة من وجوده!. فهو لم يُصنع لمناقشات فكريّة طويلة، أو حتى قصيرة!. لم يحضر لنقل محاضرات!. والروابط التي نحشرها فيه مضافة عليه، لكنها ليست من غاياته البِكْر!.
ـ نحن الذين سحبنا هذا التطبيق إلى فوق ما يحتمل!. كانت فكرته أبسط بكثير. برنامج محادثة كتابية، تسمح بتعارف أكثر مما تسمح بمعرفة!. فإن سمحتْ بمعرفة، فإنها معرفة وقتيّة، زائلة، مثل: “أنا في المطعم الفلاني يا شباب.. تعالوا”!. أو مثل: “قوووووووول”!، نكتبها تعليقًا على هدف تم تسجيله الآن، قبل أقل من نصف دقيقة بالكثير!.
ـ لا يعيب الناس تفاعلهم مع تغريدات كهذه، لأن برنامج “تويتر” صُمِّم من الأساس لأغراض كهذه!. نحن الذين حمّلناه فوق طاقته!. أردنا منه أن يكون كتابًا إلكترونيًّا لما نظن أنه إبداعات نضيء بها الدروب!.
ـ غرورنا، تآلف مع سهولة استخدام البرنامج، وتكاتف مع شهوة الربح لدى أصحابه!. ممّا ضيّع نكهته البسيطة البريئة الطّيّبة الأولى!.
ـ كان من أسرار جماله التكثيف، لكن تلبيةً للرغبة الإنسانية في مزيد من الثرثرة، قفزت المساحة المتاحة للهذر من “140” خانة إلى “280”!. كان كرمًا في غير محلّه!، ومع ذلك لم يكفِنا!.
ـ رحنا نُرقّم التغريدات، لطولها!. وصار “الثريد”!. وأُضيفت روابط، ومقاطع فيديو!. صار أقرب ما يكون إلى مخزن!. راحتْ أيام الكَنَبَة الصغيرة الأنيقة، وصرنا نطالب ضيوفنا بالجلوس على أي شيء، كيفما اتفق، والنبش في مخزننا للحصول على قهوة!. ويا ويلهم ويا سواد ليلهم فيما لو قالوا أنها منتهية الصلاحية أو باردة أو لا تطيب لهم!.
ـ الصحافة الورقيّة صارت إلكترونية أيضًا، أو إلكترونيّة فقط!. وحُشِرتْ هي الأُخرى في “تويتر”!. وأنا الذي كنت أقول: “نوم الرّابط عبادة”!، صرت أنشر رابط مقالتي الصحفية بداية كل صباح، وأتلصّص بعد الظّهر على الردود وعدد القرّاء!.
ـ قبل أيام غرّد الدكتور سعيد السريحي: “أعجب،..، كيف أصبحت حلاقة الشعر قضية يتداولها مغرد مع متابعيه،...، وأعجب كيف أصبح دخول المطبخ وتقطيع البصل، كمثال آخر، مغامرة تحتل تغريدات رجال كنت أعدهم من العقلاء”!.
ـ في هذا الرأي لا أرى غير استعلاء!، وهي بالمناسبة الكلمة الألطف للتعبير عن رأيي بالتغريدة، وقد اخترتها بعد استبعاد كلمات كثيرة أنسب!. كلمات وإنْ كانت تليق بالتغريدة إلا أنها لا تليق بالسريحي نفسه!. رأيت أن نصف الـ”أنسب”: سبّ!، فتراجعت، احترامًا ومحبّةً وأدبًا مع أحد مراجعنا في الأدب!.
ـ في التغريدة استعلاء على طبيعة “تويتر”، وعلى أصل وجذر هذا التطبيق!. إنه وُجد لمثل هذه الأمور البسيطة الخالية من التعقيد، ولم يكن، ولن يكون، في يوم من الأيام، قاعة محاضرات!.
ـ وآهٍ.. على أيام “قووووووووول”!. اليوم أنا مستعد لترديدها في تويتر حتى لو كان الهدف من الفريق الخصم!. هيّا تعال!.