|


أحمد الحامد⁩
لماذا أدركنا متأخرا؟
2020-05-04
عبد الله الخرّيف شاب مشهور، لديه حساب على تويتر، يعتبر من أشهر الحسابات المفيدة والممتعة، وتعرفت على عبد الله عندما استضفته قبل أكثر من عام في برنامج “مسيّان.
حينها حكى لي عن تجربته عندما عاد فاشلًا من رحلته الدراسية الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية بسب ضعف لغته الإنجليزية لأنه كان يقضي معظم وقته مع زملائه العرب بعيدًا عن تعلم اللغة، ثم روى للمشاهدين كيف استطاع أن ينهض من تحت الرماد، ويسجل لنا قصة ملهمة لشاب أراد أن يجد نفسه، فعاد مرة أخرى للولايات المتحدة وسكن بعيدًا ومنكبًا على تعلم اللغة حتى وصل إلى ما وصل إليه بجهده وإخلاصه لنفسه، مقال اليوم ليس للحديث عن عبد الله، لكنني شاهدت بالأمس إحدى ترجماته لقصة تجاوزت ما ينشغل به الكتّاب من تسجيل يومياتهم في حجرهم المنزلي، بل قصة قصيرة تشبه قصص الأطفال التي تنتهي سعيدة ومليئة بالطمأنينة، لكنها تنظر إلى أزمة كورونا من عالم متقدم، عالم يسبقنا بسنوات، وجدت أنها تصلح أن تكون مقال اليوم، وحتى لا تملوا مني، مقال اليوم من ترجمة عبد الله الخريف.
الطفل : احكي لي قصة الفيروس مجددًا ثم سأخلد للنوم
الأب : لكنك مُتعبٌ يا طفلي وأفكار ما قبل النوم تدور برأسك.
الطفل : أرجوك.. إنها إحدى قصصي المفضلة.. أعدك فقط مرة إضافية.
الأب : حسنًا.. تدثر يا طفلي، رغم أنني أعرف وأنت تعرف جيدًا أن تلك القصة بدأت في الماضي في عالم كنت أسكنه، كان عالمًا مليئًا بالعجب بين الفقر والغنى، قبل أن ندرك أنه قد فات الأوان في عام 2020، رأينا أناسًا ينشئون شركات تجارة حول العالم، لكنهم كبروا وتضخموا أكثر مما خططنا، حصلنا دومًا على ما أردناه بأقصى سرعة، يمكنك الحصول على ما تحلم به خلال يوم وبضغطة زر، لاحظنا توقف العائلات عن الحديث، هذا لا يعني أنهم لم يتحدثوا أبدًا، لكن المقصد أنهم ذابوا وغاب التوازن بين العمل والحياة، عيون الأطفال تدور في محاجرها، وكل طفل يملك هاتفًا، قاموا بفلترة عيوبهم، لكنهم وسط الضجيج شعروا بالوحدة، كانت السماء تصبح أكثر كثافة في كل يوم، حتى لم نعد نرى النجوم، فحلقنا في طائرات لإيجادها، بينما في الأسفل ملأنا سياراتنا، قدنا طوال اليوم في دوائر، نسينا أن نركض، استبدلنا العشب بالأسفلت وقلصنا الحدائق حتى تلاشت، ملأنا البحر بالبلاستيك، لأن مخلفاتنا زادت عن الحد، حتى أصبحت تسحبها كل يوم عندما تصطاد، وبينما نثمل وندخن ونقامر، علمونا القادة أنه من الأفضل ألا نستاء من منظمات صنع القرار، مستعدين أكثر للموت، لكن في عام 2020، فيروس جديد اعترض طريقنا، تفاعلت الحكومات وطلبت منا أن نختبئ، وبينما نختبئ جميعًا بداخل الخوف، نفض الناس الغبار عن غرائزهم، وتذكروا كيف يبتسمون، بدؤوا يصفقون ليقولوا شكرًا، ويتصلون بأمهاتهم، وبينما يجتمع الغبار على مفاتيح السيارات بدؤوا يتطلعون للركض، وعندما قلّت رحلات السماء بدأت الأرض بالتنفس، وحملت الشواطئ حياة برية جديدة، بدأ البعض بالرقص والبعض الآخر بالغناء، وبعضهم يخبزون، نشأنا متعودين على الأخبار السيئة، لكن بعض الأخبار الجيدة كانت بالطريق، وعندما وجدنا العلاج وسمح لنا بالخروج أحببنا العالم الذي وجدناه أكثر مما تركناه خلفنا، انقرضت العادات القديمة وصنعت طريقًا للعادات الجديدة، وكل فعل بسيط أصبح يلقى التقدير.
الطفل : لكن.. لماذا تطلب الأمر فيروسًا ليعود الناس لبعضهم البعض؟
الأب : أحيانًا يجب أن تمرض حتى تعرف قيمة الصحة، الآن نم واحلم بالغد وكل الأمور التي يمكننا فعلها، من يدري، ربما تتحقق الأحلام إن كانت جادة بما يكفي، نسميه الآن الإدراك العظيم، نعم منذ ذلك الحين وهم يمتلكون الكثير، لكن هذه قصة عن كيف بدأ الأمر، ولماذا أدركنا متأخرًا في عام 2020.