|


طلال الحمود
خربشات لا تنسى
2020-05-30
استأثرت المعركة الدائرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ومسؤولي موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” باهتمام العالم، بعدما تحول الموقع إلى منصة لإعلان البيانات الرسمية والقرارات السياسية، فضلاً عن كتابات الأفراد و”خربشاتهم” التي تعبر عن ما يجول في عقولهم ونفوسهم من حب وكراهية، حتى أصبح ما يكتب في “تويتر” شاهداً على المواقف الشخصية ومرآة تعكس مدى التزام المغرد بالقيم الإنسانية أو تجرده من الأخلاق.
لم يعد “تويتر” مجرد مدونة شخصية يستطيع المغرد التنفس من خلالها ونشر ما يجول في خاطره مع إمكانية التراجع وحذف التدوينات، إذ أصبح ما يكتب خالداً ما استمرت الحياة على هذا الكون، ويصعب التخلص من تبعاته لأن بعض الكلمات حين تخرج من الإنسان تصبح كالرصاصة التي تترك أثراً في جسد المصاب ومحيطه، خاصة إذا كانت التغريدات تحمل كراهية لفئة من البشر، أو إساءة للمقدسات والرموز الاجتماعية.
لا يختلف اثنان على أن إساءة الاستخدام طغت على السنوات الأولى من استخدام العرب لـ”تويتر” حتى تحول الموقع إلى ما يشبه جداراً يكتب عليه المجانين ما يحلو لهم دون إدراك للعاقبة، ومع مرور الوقت بدأ المستخدمون يدركون أهمية وخطورة التعامل مع “تويتر”، بعدما أصبح شاهداً على مكنون شخصياتهم بما تتضمنه من انحرافات فكرية وأمراض نفسية، وبات كثير من مستخدمي “تويتر” يواجهون تبعات مواقف مرفوضة اجتماعياً تم التعبير عنها من خلال التغريدات في المرحلة الأولى من التجربة.
اختلفت طريقة التعامل مع هذه “الخربشات”، ما بين حذف التغريدات، أو تجاهل الانتقادات، أو مواجهة الأمر بشجاعة من خلال الاعتذار وتحمل المسؤولية، خاصة أن بعضها يحمل إساءات وعبارات مجرّمة قانوناً من شأنها تعريض “المخربش” إلى التحقيق والحبس، أو الرفض الاجتماعي والإقصاء.
تعكس طريقة الاعتذار ثقافة المجتمع ورقي أفراده، ويبقى التراجع عن الخطأ والتماس العذر مرهوناً بقدر الألم في نفوس الناس ومدى استعدادهم للنسيان، ولا يكفي أحيانًا اعتراف المتحدث بذنبه لنيل المغفرة، إذ مازالت قضية الإنجليزي غلين هودل شاهدة على أن بعض الأخطاء يصعب تجاوزها، حين استخدم في حديثه معتقداً بوذياً قديما يرى:”أن المعاقين يدفعون ثمن خطايا ما قبل التكوين”، ومع أن الاعتقاد ليس اعتقاده إلا أن اعتذاره واستقالته من تدريب المنتخب الإنجليزي لم تغير من نظرة الناس إليه، وبات هودل منبوذاً بعدها وغير مرحب به في أي مكان.