|


أحمد الحامد⁩
لماذا لم أستخدم الطاولة
2020-06-20
الفكرة وحدها لا تكفي فيجب أن تصاحبها شخصية مكافحة ومؤمنة بفكرتها ومخلصة لها، كل سير الشخصيات التي حققت منجزًا ما لم ترض بأنصاف الحلول لكي تنفذ فكرتها، قدم المعلم جاك ما استقالته رغم أن وظيفة كانت تضمن له السكن والطعام، ووصف زملاؤه ما يفعله بالمغامرة.
وعندما أطلق موقع “علي بابا” بقي عدة سنوات لا يحقق أي أرباح لكنه كان يتلقى رسائل الشكر من عملائه على حسن خدمته، ثم حقق نجاحه المعروف وصارت كلماته التي يقولها في محاضراته ولقاءاته التلفزيونية من ضمن أقوال المشاهير التي يكتبها الناس في وسائل التواصل أو الصحف، وأنا واحد منهم، الملاحظ من سير الشخصيات التي تشبه جاك ما أنهم دائمًا يميلون لمصلحة مشروعهم الفكرة على أي شيء قد يعترضهم، فيعطون وقتهم لعملهم على حساب أسرهم وهي ضريبة نادرًا ما يقبل أصحاب الأفكار بدفعها وقليلاً منهم من يصمد طويلًا، لذلك نجد أن أصحاب الإنجازات الكبيرة نسبة قليلة ضمن سكان الكوكب، لا أقول بأن على كل موظف لديه فكرة بأن يقدم استقالته كما فعل جاك ما، لكنه إذا بقي موظفًا فعليه أن يخلص لوظيفته، للإخلاص نتيجة ومحصول لكن مقابله جهد وتعب وتضحية، وأي تلاعب في ذلك يؤثر في كمية المحصول وبالتالي في نجاح الإنسان، أردت الحصول على طاولة لها مواصفات معينة أستخدمها في فكرة إذاعية، بحثت عن نجار يستطيع تنفيذ العمل لصناعة الطاولة وتوصلت إلى نجار في الستين من عمره، جلس معي النجار جلسة طويلة يسألني عن تفاصيل دقيقة عن استخدام الطاولة مثل حجم الأوراق التي ستوضع عليها والأوزان المتوقعة التي ستكون فوقها وعن كيفية حملها من مكان إلى مكان، ثم حدد نوع الخشب والمعادن التي سيستخدمها، وافقت على السعر الذي شعرت بأنه مرتفع، ثم عمل تجربة كاملة للطاولة من خشب ومعادن مختلفة وطلب مني أن أجربها أمامه، بعد مراجعته لبعض الملاحظات قام بتصنيع الطاولة من جديد بشكل نهائي لتظهر بعد عدة أيام كقطعة فنية لا يصنعها إلا فنان ماهر، أبديت إعجابي وشكرته على حسن عمله، ولأننا التقينا عدة مرات فقد تشكلت علاقة تسمح لي بأن أسأله بعض الأسئلة التي تخص عمله لكنها لا تخص الطاولة، علمت بأنه وخلال 35 عامًا كان يقضي 10 ساعات في العمل، وحضر خلال هذه الأعوام عشرات ورش العمل وقرأ عن الأخشاب في كل ما حصل عليه من كتب، وقام بالعديد من التجارب لكي يزيد من معرفته، وذكر لي بأنه يحب عمله كثيرًا لكنه دفع مقابل ما وصل إليه من معرفة ونجاح سنوات من الجهد والكثير من الأوقات التي تحمل بها غضب زوجته وتذمرها الدائم بسبب غيابه، مازالت الطاولة ملقاة في زاوية مكتبي منذ أكثر من عام دون أن أستخدمها، لأنني لم أخلص لفكرتي ولم أدفع مقابلها أكثر من المال الذي اشتريته بها، حتى إنني صرت أستمع بسببها إلى كلمات التوبيخ وكان آخرها: أوجد مكانًا بعيدًا لطاولتك التي تشبه أفكارك.