|


فهد عافت
أصوات القردة وحوارات شكسبير!
2020-08-24
- هل للحيوانات لغة؟! لغة بمعنى التفاهم والتذكّر والتخيّل وسرد القصص والتعبير عن المشاعر ونقل الخبرات مثل تلك اللغة التي يتمتّع بها الإنسان، والتي هي مختلفة، أو متطوّرة بمراحل كبيرة جدًا، عن لغة الإشارة والإخبار المحدودة بأشكال ثابتة من الأصوات أو الروائح أو الحركات؟!.
- نحدّد المقصود أكثر: لغة مثل لغتنا، بلائحة وظائفها المتضمنة ستّ حالات أو ستّة شروط على الأقل، والتي حدّدها “رومان جاكوبوسن”: الوظيفة المرجعيّة، حيث التزويد بالمعلومات، الحاضرة والغائبة، كأن نتحدث عن أشياء هي ليست موجودة وحاضرة أمام أعيننا لحظة الكلام!. ووظيفة الترجمة عن المشاعر والانفعالات. ووظيفة الاتصال بهدف الإبقاء على علاقة أو تحديد مسارها، وهي وظيفة تتضمن الأسئلة!. والوظيفة النّدائيّة، وتتضمّن الامتنان والشكر أو الملامة والانتقاد!. وأخيرًا، الوظيفة الشعريّة والوظيفة الاستعاريّة: “عيناك غابتا نخيلٍ ساعة السحر”!.
- البحوث والتجارب العلميّة، تصل، أو تكاد، إلى تأكيد وجود جميع تلك الوظائف لدى مجموعة من الحيوانات، باستثناء الوظيفتين الأخيرتين: الشعريّة والاستعاريّة!. الاستثناء ليس قاطعًا بما أنّ التجارب أكّدت قدرة بعض الحيوانات على الكذب والتحايل الذّكي في سبيل مصالح أقلّ شأنًا من مجرّد غريزة البقاء!.
- الدِّين، ديننا الإسلامي، يُشير بنعم، وفي القرآن الكريم: “حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ”.
- لكن العلوم الإنسانيّة، متردّدة، وهي لم تصل بعد لإثبات علمي في هذا الشأن. وظنّي أنها ستصل في يوم من الأيام لما يقطع الشك باليقين، خاصةً وأن دلائل علميّة أوليّة، وإن كانت أوليّة جدًّا، تتجّه إلى تأكيد مثل هذا الأمر على صعوبته!.
- يبحث كتاب “أجمل قصّة عن اللغة” في هذا الشأن. يبحث ويبعث بأسئلة وردود علميّة حصيفة وأمينة، لا تتعالى على الواقع والأدوات والإمكانيات البشرية التي ما تزال في أوّلها، في محاولة جادّة لقراءة تاريخ اللغة الممتدّ من أصوات القِرَدَة إلى حوارات شكسبير الطويلة!.
- ورغم البُعد بين موضوع هذا الكتاب وكتاب “نظريّة الثقافة” الذي ترجمه الدكتور علي سيّد الصّاوي، قبل سنين طويلة، لمجموعة من الكتّاب، ونشر ضمن سلسلة عالم المعرفة، فإنني شعرت بتلاقح عجيب بين الكتابين، خاصةً الفصل السابع من “نظريّة الثقافة”، والذي ظل مشغولًا بمحاولة الإجابة عن السؤال الأبسط من بسيط وأعقد من مُعقّد: “كيف يعرف الناس ما يعرفونه”؟!.