|


سعد المهدي
شيطان كرة القدم بلا معوذات
2020-08-24
ما بين التحليل الفني المرتكز على التخصص من جانب والانطباع والخبرة من جانب آخر، تدور نقاشات النقاد الفنيين المحللين الكرويين والجمهور والإعلاميين، وربما أن ذلك هو ما جعل كرة القدم تنال شعبيتها الطاغية على مستوى العالم، فهي بلا حقائق ثابتة، وتعتمد في قراءة تفاصيلها على خلفيات حسية نفسية عاطفية مسبقة، تشعر صاحبها بالاطمئنان أنه على حق، وبالتالي لا يتوقف أحد منهم عن قول ما يريد، ويجعل التعبئة في حالتها القصوى وملتهبة على الدوام.
لا أريد بذلك أن أبرر للجميع الاختلاف والاتفاق، التناقض والتطابق، الحياد والانحياز، لأنني قد انتهيت إلى أن لكرة القدم شيطان غواية، لا يمكن طرده بالمعوذات ولا التخلص منه بالتوبة، أقسمت غير حانث أن اللقطة التي أمامنا ضربة جزاء، فأقسم غير كاذب أنها ليست ضربة جزاء، انتظرنا أهل الاختصاص فاختلفوا مثلينا، وعاش معنا الجمهور أسبوعًا كاملاً عبر السوشال ميديا وأحاديث المجالس يرددون قسمينا واختلاف المختصين، لقد فرقتنا كرة القدم لتسود العالم.
قوانين كرة القدم أشبه بتقسيمات “سايكس بيكو” حادة كالشفرة، تبقي على الخلاف لأنها إما غير عادلة أو متداخلة، تغري بالأطماع وتتيح لجهة التقاضي تكييفها الظالم الذي له من يصادق أيضًا عليه بالقانون، الجميع يحتفظ بذكريات سيئة يشعر أنه يعيشها دون الطرف الآخر، والحقيقة أن كلًّا منهم راكم مشاعر بنى منها جدارًا عازلاً، هو لا يريد أن يهدمه يخشى الضوء، تلك وسوسات شيطان كرة القدم حتى تبقى على عرشها تحكم بلا نبأ عظيم نرضى به أن يسودنا.
ما يدور حول كرة القدم ويثير الخلاف ليس كله يمكن نسبته إليها، هؤلاء آخرون صنعهم شيطانها ليتحدثوا ويتحركوا نيابة عنه ليفسدوا عالم كرة القدم، هم يختلفون عن عشاقها الذين يؤمنون بجمال وإبداع وفنون اللعبة واللاعبين، هؤلاء من قصدت أن أبرر لهم الاختلاف والاتفاق، والانحياز والحياد، الدراويش الذين يتبعون حسهم ويظنون أنهم على حق، العاشقون لأنديتهم ونجومهم ولا يرون أحدًا غيرهم، وإذا كان هناك من يؤمن بقدرة كرة القدم على صنع عالمها الخاص، وأن لها شياطين يزرعون الشكوك ويحرضون على الكراهية، فالأكيد أن لها منافقين يلعبون كل الأدوار في سبيل تحقق مصالحهم.
كرة القدم إن خاض في شؤونها مختص أو خبير أو جمهور أو إعلامي، ستظل تلعب بهم وتخرج لهم لسانها، وتسفه بتحليلاتهم وتعليقاتهم وتنقض أفكارهم وتوقعاتهم.