|


فهد عافت
تواضُع الجهل المضيء!
2020-09-28
- أكثر ما نعرفه عن الشيء، معرفة وثوق، يكون عادةً، ويا للحسرة، الأقلّ أهميّة!.
- أكثر ما نعرف عن الناس أسماءهم!، فهل لمثل هذه المعرفة قيمة كبرى، أو حتى قيمة حقيقيّة؟!.
- بعد ذلك بدرجات نعرف صفاتهم التي تحدّد صلتهم بنا: قريب، جار، صديق، زميل، وما إلى ذلك.
هذه المعرفة أعلى شأنًا وقيمةً من معرفة الأسماء حتى وإن كانت أقل من حيث الكثرة!، دون أن يمنحها هذا العلو قيمةً كُبرى!.
- لكن وبمجرّد وجود الالتباس، أو إمكانيّة وجوده، ارتفعت القيمة!.
والمقصود من الالتباس هنا، أنك، مثلًا، قد لا تكون متأكدًا تمامًا من كون هذا الشخص صديقًا حقًّا أم لا!. كما أنّ صفة صديق نفسها، لها من الألوان ما لا حدّ لتدرّجاته!.
- وهكذا، فإنك كلّما تعمّقت في المعرفة، وجب الالتباس!، وتوافرت الاحتمالات أكثر وأكثر، وهكذا فإنّ كل معرفة حقيقيّة تجرّ خلفها جحافل جهل أعمق وأدقّ!.
- وإلى أن تصل، مثلًا، إلى معرفة طبيعة الآخر وظروفه، ثم أحاسيسه ومشاعره ووجدانه، تكون قد وصلت إلى الظّن والتخمين وليس المعرفة التّامّة!.
- هنا يكون المُلتبِس من سادة الرؤية، والمُتداخِل من سلاطينها!.
- لكنك في الحقيقة صرت تعرف أعمق، وتقترب معرفتك من الأهم والأجدر برِفْعَة الشأن!.
- من ناحية، جاءت الآداب والفنون، وما دار في فلكها من فلسفة ومنطق ومذاهب نقد، وعلوم، لزحزحة الوثوق بمعارفك الأولى، بما كنت تظنه الأجدر بالبقاء فقط لأنه الأوضح والأسبق!، جاءتْ لأخذك من يدك إلى تجريب متعة القلق والشك والالتباس والمخاتلة، باختصار إلى تجريب مغامرة الجهل المضيء، بدلًا عن المعرفة المُعتمة!.
- ومن ناحية، فإنه لا يمكن لمُفكّر حقيقي، أو عالِم بارع، أو فنّان أصيل، أو مُبدع متفوّق في أي مجال، إلا أن يكون متواضعًا، وأن يكون تواضعه حقيقيًّا، لدرجة أنه قد يكون ضدّ حتّى رغبته في هذا الخُلُق الكريم!. تواضع أبعد ما يكون عن التّصنّع وعن الرغبة في إطراء الآخرين عليه بسببه!.
- فإن كنت لا ترى في هذا الأديب أو الفنان أو العالِم صفة التواضع، ولا تتلمّسها حدّ تسرّبها في نفسك، فلأحد أمرين:
إمّا لأنه مزيّف وليس كما تظنّ من وهج العبقرية والنبوغ والإبداع والعِلْم!.
وإمّا لأنك لم تتعمّق بعد في المعرفة، ولم تبتعد بعد عن الاكتفاء بمعرفة الأسماء، أسماء الناس وعناوين البيوت والقصائد!.
- آنشتاين يقول: إن الصدفة تهزأ بي، لأن الأشخاص يُبْدون تجاهي إعجابًا وإجلالًا وهميين ومبالغًا فيهما. إنني لا أريد ولا أستحق شيئًا!.
وفيروز تغنّي: “عينينا هيّي أسامينا”!.