|


فهد عافت
سهلة!
2020-09-29
- كيف تكتب مقالة سريعة، دون جهد ودون فكر ودون موهبة حتى، ومع ذلك يمكن لها أن تملأ المكان وأن تحظى كذلك بمتابعة وربما إطراء؟!.
- الأمر سهل!. بثلاث خطوات يمكنك القيام بذلك، وكل خطوة تقول لصاحبتها: أنا أسهل منك!.
- الخطوة الأولى: أن تختار موضوعًا يدغدغ مشاعر عدد كبير من الناس، كموضوع الحب مثلًا!.
- الخطوة الثانية: أن تجمع عددًا كبيرًا من مقولات أدباء ومفكرين ومشاهير عن الموضوع نفسه، ومثل هذا الأمر صار أسهل من شرب الماء بفضل محرّكات البحث، فَلَمْ يعُد حتى اللجوء إلى شراء كُتُب وتصفّحها أمرًا لازمًا ولا مهمًّا!.
- الخطوة الثالثة: القصّ واللّصق!. حيث تُكدّس هذه المقولات فوق بعضها، رابطًا بينها بُجُمَل إنشائية سهلة، لا تناقش ولا تعترض ولا تقترح ولا تتأمّل!. مجرّد كلمات تفصل بين مقولة ومقولة، حتى لا يقول الناس إنك لم تكتب شيئًا!.
- وبما أننا اقترحنا موضوع الحب، باعتباره أحد أكثر المواضيع دغدغة وزغزغة للأحاسيس، ويحظى دائمًا باحتمالية عالية في المتابعة ولو بهدف “البصبصة”!، وأنه أحد أكثر المواضيع التي تناولها الأدب، خذ عندك هذا المثال البسيط:
- ابدأ بجملة من عندك، أي جملة، لنفترض هذه: “الحب شيء مهم وأساسي في حياة الإنسان”، لا تحاول الإطالة، لأن القارئ سيملّ من برودة الإنشاء!. سبع كلمات من عندك كثير عليك كمقدمة!.
- انطلق بعدها: يقول آندي وورهول: “الحب المُتخَيَّل أفضل من الحب المُعاش. عدم ممارسة الفعل مثير جدًّا”!.
- كتبتها؟!. حسنًا!، سأقول لك قبل أن أنسى: لا تقوّس العبارات ولا تضعها بين مزدوجين!، أولًا لأنك إن فعلت، ستملأ مقالتك بالتقويسات!. وليس هذا هو الأهم، الأهم هو أنك حين تكتفي بكتابة يقول فلان، ثم تنسخ قوله، فإن عددًا من القرّاء كبير، لن ينتبه وسيتشكك في نهاية قوله وبداية قولك!. أنت لو أعدت قراءة جملة آندي وورهول السابقة، دون تقويس، فبإمكانك الظّنّ أنها فقط: “الحب المُتَخَيَّل أفضل من الحب المُعاش”!. وأن ما بعدها، على أهميته وجماله، من صُنع كاتب المقالة: “عدم ممارسة الفعل مثير جدًّا”!.
- والآن نكمل: خذ مقولات أخرى، وافصل بكلمات لا شغل لها غير الرّبط!. هكذا: أمّا غوستاف لو بون فيقول: “الحبّ يخشى الشّك، ومع ذلك ينمو عبر الشّك ويهلك غالبًا في اليقين”!. تذكّر: لا تُقوِّس!.
- أكمل!، أكمل!، الطريق سالك، وإنْ قدِرْت، تلاعب قليلًا، لا يضرّ!، هكذا مثلًا: ويؤمن أبو تمام إيمانًا عميقًا بالحب الأول: “ نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى.. ما الحب إلا للحبيب الأولِ”، في حين يرى فريدريك بيغبيدير أن هناك حبًا واحدًا لكنه قد لا يكون الحب الأول، يقول: “في الحياة ليس لدينا سوى حب كبير واحد، كل ما سبقه كان حبًّا تحضيريًّا، وكل ما سيليه سيكون حبًّا تعويضيًّا”!.
- تذكّر: لا تُقوِّس!. وتذكّر أيضًا أنّ “ولكن” هذه مهمّة!، إنها تعني أن لك رأيًا، حتى إن أخذته من غيرك خبط لصق!. وبالمناسبة، فيما يخص بيت أبي تمّام، أنت حتى لو “عكّيت” وكتبت “الأوّلي”، فإنه يوجد في كل مطبوعة أكثر من مصحح، شغلتهم وعملهم: سترك!، سيكتبونها “الأولِ”، لا تقلق!.
- استمر على هذا النحو!. انتهيت؟!. اكتب اسمك على المقالة!.
وكفى الله غير الموهوبين شرّ الخَيَال والجَمَال والتأمّل والاحتمال!.