|


فهد عافت
آراء صادمة!
2020-11-03
- ذات يوم، كان صاحبكم فيه في أوّل شبابه، متتبّعًا، مثل ظلّ، أستاذه سليمان الفليّح. جاءت فتاة ممتلئة بعض الشيء، عرفتُ بعد لحظات أنها زميلة صحافة، وأنّها تكتب قصصًا، أو ربما أشعارًا، نسيت الآن، وراحت تحكي لنا قصّة سرقة منزل أهلها قبل يومين، كان الكلام موجّهًا للأستاذ، ومن جَبَلِه كان يسيل على وديان مسامعنا، فـ”السّيل حربٌ للمكان العالي”!.
قالت: الغريب يا أستاذ، أنه سرق كل ما في غرفتي ولم يترك إلا أوراقي وكتاباتي.
كان من عادة سليمان الفليّح إن لقي على لسانه تعليقًا ضاحكًا، فتْل شاربه والضحك معًا!، وقد فعل، وجاء التعليق مدوّيّ الطّرافة: “هذا حرامي لديه ذوق أدبي يستحق الاحترام”!.
وعندما لم تفهم الفتاة الممتلئة بعض الشيء، لماذا ضحكنا جميعًا، عرفت أنها فقيرة الموهبة، دون حاجة لقراءة شيء من كتاباتها!.
- كان “فايق عبدالجليل” شاعرًا خلّابًا، وأظن أن مسفر الدوسري أخذ عنه ما هو أكثر من ذلك، كلاهما كان في حقيقته يشبه خياله!. ثلاثة لم أجد أكثر منهم شبهًا بفنّهم: فايق عبدالجليل ومسفر الدوسري وصالح العزّاز!. وبالرغم من كل عذوبة ورقّة فايق عبدالجليل في شعره وفي شخصيّته الواقعية، وقد عرفته عن قرب ولا تزال محبّته في قلبي تنتبذ مكانًا قصيًّا، إلا أنني لا أنسى له رأيين عجيبين، أحدهما خصّني به كنصيحة، أو.. وهذا أدق وأصح: خصّ به كل من حضر تلك الجلسة الخاصة جدًّا والمقتصرة على ثلاثة أو أربعة شعراء في مقتبل الشعر والعمر،..
قال: على الشاعر أن يكون شديد الأنانيّة فيما يخص فنّه، وأن يسخّر كل تجارب حياته لهذا الفن، لدرجة أنه وفيما لو حضرت حبيبة الشاعر للقائه، ثم قَدِر على أخذ وجهها ولصقه على الورقة، فإنّ عليه ألا يتردّد لحظة واحدة في القيام بذلك، حتى لو كانت النتيجة رجوعها إلى بيتها دون رأس!.
- الرأي الآخر الذي لا أنساه لأستاذي “فايق عبدالجليل”، كان يخص شاعرًا، يكتب كثيرًا، كثيرًا جدًّا!، كثير مما يكتب يكون متهافتًا بل مثير للسّخرية والتّندّر، لكن من بين هذا الكثير، نقع على روائع!، روائع بمعنى الكلمة!.
ولتبديد تعجّبنا سألنا “فايق عبدالجليل” عن ذلك، فقال: هو مثل الصّيّاد الذي ليست لديه مهارة في الصّيد، لكن لديه بندقية ورصاص كثير في سماء مليئة بالطيور، كثير من طلقات الرصاص لا تُصيب، لكن طالما أنه يرمي ليل نهار، فمن الطبيعي أن ينجح في صيد بعض الطيور الممتلئة لحمًا وعافية!.
- بخصوص مساعد الرشيدي: لا أنسى طرافة هذا الرأي، وفطنته، وقدرته على الإفاضة بإيجاز!. أحيانًا، تتورّط بطلب رأي في قصيدة ما. الورطة حين تكون شروط القصيدة مكتملة، كلمات موزونة مقفّاة ولها معنى!. قصيدة تقول شيئًا لكنها لا تُضيف شيئًا!. قصيدة ليست سيئة لكنها أيضًا ليست جيّدة!. لها معنى لكن معناها ليس له معنى!.
- حدث هذا معي وأمامي مرّات كثيرة، وما لا أنساه، هو ذلك الرأي العجائبي لمساعد الرشيدي حين وقع تحت وطأة مثل هذا الطلب من شاعر لقصيدته نفس هذه المواصفات!.
حاول مساعد قدر استطاعته تجنّب الرّد، لكن الشاعر أصرّ، فما كان من مساعد إلا أن قال: “شوف.. قصيدتك بصراحة.. ما فيها شي غلط أو غير مضبوط.. لكنها مثل تقرير حادث مرور.. كل شي فيها واضح وبيّن ولا يحتاج رأي أو شرح”!.