|


فهد عافت
الغِيرة الفنيّة!
2020-11-19
- الغيرة الفنيّة ليست حسدًا، ولا بُغضًا، ولا خصومة، ولا عداوة!. الغيرة الفنيّة أطهر من ذلك بكثير. هي أرقى وأجلّ وأنبل من هذه الدناءات!. ولا يمكن لنفس خسيسة، أجلّكم الله، أن تغار غيرة فنيّة!.
- الغيرة الفنيّة طاقة خضراء مشعّة، لا تتناقض ولا تتعارض مع الحب والتقدير والكرم واللطف!، إنما تتلاءم وتنسجم مع كل هذه المشاعر الرقيقة المليئة باللطف والعطف والرحمة!.
- الغيرة الفنيّة طاقة كريمة الأصل والفصل. والمحروم منها محروم حقًّا، محروم إمّا من الموهبة أو من الصدق مع الذات أو من الحماسة أو، على الأقل، من جدّيّة البحث والوصول إلى، والحصول على، نماذج أدبيّة وفنيّة تستأهل الغيرة منها ومن جمال، وروعة، ما قدّمت وتُقدّم!.
- الغيرة الفنيّة هي قنديل زيت المنافسة، والمنافسة شرف ونزاهة، وقلب كبير ينبض بالحب، والحبّ عطاء وأمل وأمان وابتسامة صادقة ومصافحة كريمة، كلّ ما عدا ذلك يُسمّى ما يُسمّى: صراع، مقت، حنق، أمراض نفسيّة!، يُسمّى ما يُسمّى، لكنه أبدًا ليس منافسة!.
- من كل شاعر عظيم قرأت له أو التقيته وصاحبته غرت، وما زلت أغار، وكنت وما زلت أغار من كل كاتب عظيم. من المتنبي، ومن طه حسين، ومن نجيب محفوظ، ومن عبد الرحمن الأبنودي، ومن بدر بن عبد المحسن، ومن سليمان الفليّح، ومن ماجد الشاوي، ومن مسفر الدوسري، ومن مساعد الرشيدي، ومن سليمان المانع، ومن نايف صقر، ومن سعد الدوسري، ومن ألبرتو مانجويل، ومن رولان بارت، ومن ميلان كونديرا، وحتى من عبد الوهاب ومحمد الموجي وسيد مكاوي وبليغ حمدي، ومن كثير غيرهم، غرت وما زلت أغار!.
- أحببتهم جميعًا، وتأثرت بهم جميعًا، وصاحبتهم جميعًا، في الحياة أو على الورق، أو في الخيال، ودعوت لهم جميعًا بامتنان خالص. كل ما يزعجهم، كل ما أشعر أنه يزعجهم، يزعجني، وكل إساءة إلى أحد منهم إساءة لي، وكل نجاح لهم كنت أعتبره نجاحًا لي، وللفن والجمال والأدب الذي أنتمي، أو أحلم بالانتماء، إليه!.
- قل لمن يستحق غيرتك، لمن هو جدير، عبر هذه الغيرة الفنيّة، بتحفيزك، وحثّك على أن تكون أجمل، إنك تغار منه وتتمنى وتعمل على التقاط أسراره باتعة الضوء والخضرة والمتعة، قلها تكريمًا له، ومحبّةً فيه!. لا تخف: الغيرة الفنيّة أمر صحّي وجميل!.
- الغيرة الفنيّة هي التي تجعلني أريد أن أكون أنا، وأن أترك بصمتي الخاصة، وأن أبقى في ذاكرة الحياة ووجدان الطبيعة، وأن أنجح في كل ذلك، مثلما نجح الآخر في أن يكون هو، وأن يترك بصمته، وأن يبقى.. وأكثر!.
- انظر إلى كل من تغار منه، فإن كنت تكرهه بسبب هذه الغيرة، اترك الفن والأدب، فهذه ليست غيرة فنان ولا أديب!. وإن كنت تحبّه بسبب هذه الغيرة، بسببها وليس رغمًا عنها، فأنت فنّان حتى لو لم تصل!.
- مساعد الرشيدي كان يغار من أمّه!. ربما صار شاعرًا بالقدْر الذي صار عليه من الإبداع والخلود، لأنه غار فعلًا منها، بسبب قصيدة كتبتها وعمرها خمس عشرة سنة!. قصيدة جميلة، عفوية رقيقة، صارت فيما بعد تُردّد وتُغنّى على ألسنة كل من مرّوا على منطقة “الشويمس” في “حايل”:
“هلا.. هلا.. بالمِزْن وخشومِهِن غِرّ..
اللي تلمّ ظعوننا يا خويّهْ
يا زين مرباعه الى سال واخضرّ..
واشرف على منزالهم بالضّحيّهْ”!.