ـ شرف كبير لي أن يكون ضيف “بلكونة” الجمعة لهذا الأسبوع: الروائي والشاعر والكاتب الكبير عوّاض شاهر العصيمي. يقدّم لنا ويقطف من رواية “عقدة الحدّار” بحسّه الأدبي الفخم. أكتفي بهذه المقدّمة المتواضعة، وأترك بقيّة الزاوية للرائع عوّاض العصيمي:
•••
ـ أتحدث عن رواية محلية. هناك الكثير من المقالات والآراء عن الروايات الأجنبية في مشهدنا المحلي وكأنها هي التي تمنحنا وحدها حق معرفة النص وكاتبه، بينما في المشهد السردي تقف روايات محلية عديدة بإمكاناتها الفنية الجيدة وعوالمها الغنية لكنها تسخر منا. إنها في غاية القرب لكننا مشغولون عنها بالبعيد الذي يأتينا مترجمًا، مطبوعًا عليه الختم العالمي، بصفته منتجًا عابرًا للحدود.
لا أنكر أهمية الأدب المترجم على الإطلاق، غير أن النصوص المحلية ينبغي أن تحظى باهتمام نقدي وإعلامي موازٍ، وذلك إن تعذر رفع الاهتمام إلى مصف النظر بجدية كبيرة لجيد ما نقوله نحن وفن ما نحكيه.
ـ نشرت العام الماضي رواية “عقدة الحدار” للشاعر الروائي الدكتور خليف الغالب. وتتحدث عن حقبة من تاريخ العراق تعود إلى فترة ما من أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. وتتمثل المصادفة التاريخية بين “مطلق” الشخصية الرئيسة والوضع السياسي القائم في العراق آنذاك في واحدة من الرحلات التي كان يقوم بها بدو شمال الجزيرة العربية إلى العراق للتزود بالمؤن المعيشية التي لا تتوافر في أزمنة الجوع إلا في حواضر العراق والشام وتلك النواحي. لكن هذه الرحلة التي تسمى “حَدْرة” كما تطلق عليها قبائل شمال الجزيرة العربية، تشهد الواقعة الروائية برمتها، بدءًا من اضطرار مطلق إلى بيع نفسه أجيرًا لتوفير تكلفة المؤن والأرزاق التي جاءت من أجلها المجموعة، مرورًا باكتشافه قاتل أبيه وذهابه إلى بغداد عازمًا على الثأر، وانتهاء بتحريره من الحبس في أثناء مقاومة مسلحة وثورة عربية شارك فيها رفقاء الرحلة وبعض عرب العراق. الرواية استوى في صفحاتها العديد من العبارات والأمثال والرؤى الفلسفية التي حملت جانبًا مشرقًا من العمل. لكن لضيق المساحة أنصح باقتناء الرواية ليدخل إليها كل قارئ بطريقته ويتملاها بحسب تلقيه.
..، الراوي يدخل منذ الصفحة الأولى ويتربع لتهيئة الحكاية لنا، ولذلك نقتبس منه ما يشي بأثرٍ ما:
- احتمالات وجود الأثر التليد:
“في مكتبة مجهولة لورّاق مغمور، يمكن أن تجد التاريخ الموازي مختبئًا تحت أطمار الورق والغبار، في أحرف كُتِبَت ليقرأها البعيد الذي سيأتي. يمكن أن تجده عاريًا من زخارف القوم، نافرًا من ثقل واقعهم، ملتبسًا كالحياة، هاربًا منها”.
ـ الأثر في الوجه:
“لو سألني سائل عن وجه “مطلق” لأجبته بهذا الجواب. منذ أن عرفته في النجف على تلك الحالة الغريبة، كنت أرى في وجهه مسحة سماوية وأثرًا خالدًا”.
ـ أثر السنين والنار:
أشعلت فتيلة السراج الأزرق، تأملت الفتيلة الصغيرة وهي تضيء وتحترق في وقت واحد، لمست الزجاجة المصفرة من أثر السنين والنار.
ـ أثر الفن واللغة:
يسمون الجلد الذي يصنعونه ويدبغونه بأسماء كثيرة: إذا وضعوا فيه الماء فهو قربة، وإذا كان فيه لبن ماعز أو شاة فهو صميل، وإن كان فيه من حليب الإبل أسموه شكوة، وإذا وضعوا فيه السمن يسمونه “النِحو”.
ـ أثر الشعر والأمومة:
“لا ينزل الدمع يا يمّه
ما يكتب الله يبي ياتي
حلفت غير آرد الجمّه
وانا جْنوبي متيناتي”.
ـ بعد أيام من مفارقة الديار، تتراءى له الأم في العاصفة شكلاً رحيمًا يؤنسه من الوحشة وسطوة الغبار:
أراد أن يحميها من الغبار لكنه تنبه إلى إشارتها له بيدها: انا ابنة الغبار والهواء يا ولدي، خلقت والريح في يوم واحد، الأرض لا تنكرني يا مطلق.
ـ أثر الروح البريّة في قيافة الشكل
والزي وعيون المدنيات:
في البدوي جاذبية لا تخفى.. أكثر ما تتجلى في عيون المدنيات، إذا رأت المرأة منهن بدويًا لمع في عينيها بريق يعرفه الرجال في عيون النساء.
ـ في إدراك ما ليس يستوعبه أثر:
الموت التباسنا الأكبر في هذه الحياة، وغموضنا الأوضح في هذا الوجود.
•••
ـ أتحدث عن رواية محلية. هناك الكثير من المقالات والآراء عن الروايات الأجنبية في مشهدنا المحلي وكأنها هي التي تمنحنا وحدها حق معرفة النص وكاتبه، بينما في المشهد السردي تقف روايات محلية عديدة بإمكاناتها الفنية الجيدة وعوالمها الغنية لكنها تسخر منا. إنها في غاية القرب لكننا مشغولون عنها بالبعيد الذي يأتينا مترجمًا، مطبوعًا عليه الختم العالمي، بصفته منتجًا عابرًا للحدود.
لا أنكر أهمية الأدب المترجم على الإطلاق، غير أن النصوص المحلية ينبغي أن تحظى باهتمام نقدي وإعلامي موازٍ، وذلك إن تعذر رفع الاهتمام إلى مصف النظر بجدية كبيرة لجيد ما نقوله نحن وفن ما نحكيه.
ـ نشرت العام الماضي رواية “عقدة الحدار” للشاعر الروائي الدكتور خليف الغالب. وتتحدث عن حقبة من تاريخ العراق تعود إلى فترة ما من أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. وتتمثل المصادفة التاريخية بين “مطلق” الشخصية الرئيسة والوضع السياسي القائم في العراق آنذاك في واحدة من الرحلات التي كان يقوم بها بدو شمال الجزيرة العربية إلى العراق للتزود بالمؤن المعيشية التي لا تتوافر في أزمنة الجوع إلا في حواضر العراق والشام وتلك النواحي. لكن هذه الرحلة التي تسمى “حَدْرة” كما تطلق عليها قبائل شمال الجزيرة العربية، تشهد الواقعة الروائية برمتها، بدءًا من اضطرار مطلق إلى بيع نفسه أجيرًا لتوفير تكلفة المؤن والأرزاق التي جاءت من أجلها المجموعة، مرورًا باكتشافه قاتل أبيه وذهابه إلى بغداد عازمًا على الثأر، وانتهاء بتحريره من الحبس في أثناء مقاومة مسلحة وثورة عربية شارك فيها رفقاء الرحلة وبعض عرب العراق. الرواية استوى في صفحاتها العديد من العبارات والأمثال والرؤى الفلسفية التي حملت جانبًا مشرقًا من العمل. لكن لضيق المساحة أنصح باقتناء الرواية ليدخل إليها كل قارئ بطريقته ويتملاها بحسب تلقيه.
..، الراوي يدخل منذ الصفحة الأولى ويتربع لتهيئة الحكاية لنا، ولذلك نقتبس منه ما يشي بأثرٍ ما:
- احتمالات وجود الأثر التليد:
“في مكتبة مجهولة لورّاق مغمور، يمكن أن تجد التاريخ الموازي مختبئًا تحت أطمار الورق والغبار، في أحرف كُتِبَت ليقرأها البعيد الذي سيأتي. يمكن أن تجده عاريًا من زخارف القوم، نافرًا من ثقل واقعهم، ملتبسًا كالحياة، هاربًا منها”.
ـ الأثر في الوجه:
“لو سألني سائل عن وجه “مطلق” لأجبته بهذا الجواب. منذ أن عرفته في النجف على تلك الحالة الغريبة، كنت أرى في وجهه مسحة سماوية وأثرًا خالدًا”.
ـ أثر السنين والنار:
أشعلت فتيلة السراج الأزرق، تأملت الفتيلة الصغيرة وهي تضيء وتحترق في وقت واحد، لمست الزجاجة المصفرة من أثر السنين والنار.
ـ أثر الفن واللغة:
يسمون الجلد الذي يصنعونه ويدبغونه بأسماء كثيرة: إذا وضعوا فيه الماء فهو قربة، وإذا كان فيه لبن ماعز أو شاة فهو صميل، وإن كان فيه من حليب الإبل أسموه شكوة، وإذا وضعوا فيه السمن يسمونه “النِحو”.
ـ أثر الشعر والأمومة:
“لا ينزل الدمع يا يمّه
ما يكتب الله يبي ياتي
حلفت غير آرد الجمّه
وانا جْنوبي متيناتي”.
ـ بعد أيام من مفارقة الديار، تتراءى له الأم في العاصفة شكلاً رحيمًا يؤنسه من الوحشة وسطوة الغبار:
أراد أن يحميها من الغبار لكنه تنبه إلى إشارتها له بيدها: انا ابنة الغبار والهواء يا ولدي، خلقت والريح في يوم واحد، الأرض لا تنكرني يا مطلق.
ـ أثر الروح البريّة في قيافة الشكل
والزي وعيون المدنيات:
في البدوي جاذبية لا تخفى.. أكثر ما تتجلى في عيون المدنيات، إذا رأت المرأة منهن بدويًا لمع في عينيها بريق يعرفه الرجال في عيون النساء.
ـ في إدراك ما ليس يستوعبه أثر:
الموت التباسنا الأكبر في هذه الحياة، وغموضنا الأوضح في هذا الوجود.