|


فهد عافت
مرضى الـ«لكن»!
2020-12-21
- مجموعة من الناس أُسمّيهم مرضى الـ”لكن”!. وهُم أنواع ودرجات!.
- منهم من يُعطِّل نفسه، ويُنهي مشاريعه وهي في مهد أفكاره، بهذه الـ”لكن”!. لا يكاد يخطو ثلاث خطوات بفكره تجاه أي عمل ورغبة في أي مشروع حتى يضع لنفسه حواجز من خشب ومن حديد هذه الـ”لكن”، تُثبط همّته، وتُحبط أمله، وتُضعف عزيمته، وتعيق مسيرته حتى قبل أن يبدأ، فيتوقّف وهو لم يتحرك أصلًا!، ويقرّر تغيير الفكرة والمشروع!.
- ولأنّه لا يغيّر ولا يطوّر من نهجه شيئًا، فإنّه يجد هذه الـ”لكن” في كل فكرة جديدة وفي كل مشروع جديد!. يجدها وقد تمرّستْ على الصّدّ والّلجم والرّدع أكثر وأعثر!.
- يقضي عمره بأفكار مشاريع لم يحقق منها شيئًا!. يظنّ أن المشكلة في الحذاء لا في الحَذْو!.
أحيانًا، يرى بعينيه، بعض هذه الأفكار وقد تحققت كمشاريع ناجحة عند بعض الناس وعلى أيديهم، يراها وقد انتسبَتْ إليهم، فيحقد ويحسد، ويرعد ويزبد، ويتحسّر بأيْمان مُغلّظة لمن هُم حوله بأنها كانت مشاريعه وأفكاره، سبقهم إليها و.. “لكن”!.
- نوع آخر من مرضى الـ”لكن”، تجده منتشرًا، في الردود والتفاعلات!. يحدث ذلك في المجالس، لكن يمكن لك مراقبته بشكل ملحوظ وواضح في تطبيقات التواصل: يكتب أحدهم رأيًا، ويشرح فكرةً، فيأتي من يردّ: أوافقك و”لكن”!، صحيح و”لكن”، مع احترامي لك و”لكن”!.
تقرأ ما بعد هذه الـ”لكن” فلا تجد صاحبها إلا وقد كرّر وأعاد نفس الرأي ونفس الفكرة بصيغةٍ غالبًا ما تكون أقلّ مهارة!.
- تحاول فهم الاختلاف أو قنص الإضافة أو معرفة سبب هذه الـ”لكن” فلا تجد شيئًا!. لا تستدلّ إلا على أن صاحب الرّدّ والتعليق والمداخلة يعيش متخوّفًا من تُهمة الّلاحضور!. يشعر بنقص فيما لو أنّه أتى موافقًا شاكرًا دون مزيد من الكلمات، وليصبح للكلمات معنى يستحق الحضور، في نظره، فإنه لا بدّ لها من روح اعتراض، لذلك فقط يبدأها بـ”لكن”!.
- ويظل أخطر مرضى الـ”لكن”، وأكثرهم ضررًا، ذلك النوع من الناس، الذي يُبرّر الجرائم والتّعدّيات، بدءًا من الإرهاب مرورًا بالتّحرش وانتهاءً بالسّب والقذف، عن طريق هذه الـ”لكن”!.
يُبرّرها بِرِعْدةٍ جبان وبتصيّد فاسدٍ للشهرة والجماهيريّة!.
- تحدث عمليّة إرهابيّة في باريس، فيُنكرها ويتبرّأ من مرتكبها، ثمّ تجده، فجأةً، أضاف: “ولكن..”!، يروح بعدها يتحدّث عن ظلم وقمع الحضارة الغربيّة لغيرها من الأُمم!.
- تشتكي امرأة من التّحرّش، فيُنكره ويتبرأ من فاعله، ثمّ تجده، فجأةً، أضاف: “ولكن..”!، وراح بعدها يتحدّث عن زيّها الذي لم يكن محتشمًا بما فيه الكفاية!.
يرفض وعن طريق هذه الـ”لكن” يبرّر، بما يقترب من التأييد!، تأييد كل ما يرفضه!.
- أمّا أطرف وأطيب وأبسط أنواع مرضى الـ”لكن”، فهُم أولئك الذين يُصرّون على كتابتها: “لاكن”!. العجبب أن منهم من يعمل مدرّسًا لمادة اللغة العربيّة!، ومنهم من هو كاتب له مؤلّفات، لم يفضحه في هذا غير “تويتر” وأشباهه!، ومنهم من ينتبه عبر وسمٍ ما إلى يوم اللغة العربيّة فينبري مدافعًا عنها بكتابة مليئة بالأخطاء وأفضحها هذه الـ”لاكن”!.
- مع كامل الاحترام والتقدير، لمجموعة قليلة من أهل الفكر المُستحق للتأمّل، ممّن ينظّرون، بعقلانيّة، مطالبين بكتابتها مثلما تُنطق فعلًا، أي بتغيير إملائها من “لكن” إلى “لاكن”!. هؤلاء، تعترض أو تتفّق مع وعلى طرحهم، يظلّون، في نظري، أصحّاء وخارج دائرة هذا المرض!.
- بَقِيَتْ، يا أحبّة، أنواع أخرى، و”لكن”!.