|


فهد عافت
طبيعي!
2020-12-30
- كلمات تبدو قريبة من بعضها بعضًا، يكاد بعضنا يظنها مترادفات: الحقيقة، الصدق، الصحيح، والطبيعي، والمنطقي!.
- تفكّر في الأمر، تجد تباعدًا واضحًا بين كل كلمة وصاحبتها، تفكّر في الأمر أكثر، فتستغني عن “الصُّحْبَة” في الوصف!. تروح كل كلمة في مسار!.
- سنؤجّل مسألة “الحقيقة” قليلًا!،
ونحاول تتبّع منبع ومجرى ومصبّ بقيّة الكلمات:
ما هو الصّدق؟! هو ما يقوله كل واحد منّا، باعتقاد راسخ، وبضمير حيّ، نزيه، بأنّه الحقيقة!.
قد يكون أحدنا صادقًا جدًّا، ومع ذلك لا يقول الحقيقة ولا الصحيح!.
- يُحكى أنّ أحمد رامي أحب امرأةً لأكثر من ثلاث سنوات، كان صادقًا في حبّه، لدرجة أنه كتب فيها شعرًا. اكتشف بعد ذلك أنها ليست سوى جَرّة ماء، بالمصري “قُلَّة”!، مركونة في زاوية من بلكونة الجيران، تُظهرها بخفاء، ستارة، وكلما سقط عليها ضوء خافت، بَدَت وكأنها امرأة تتّكئ بوجهها على ذراعها!.
- ما هو الطبيعي؟! هو ما تم الاتفاق عليه، من عادات وتقاليد ورؤى، وهو ما ترسّخ من قناعات، بما في ذلك القناعات الجماليّة: كانت النساء المكسيكيّات يعتبرن الجبين المُنخفِض “المُقطِّب” من علامات الحُسْن!.
وفي أماكن أُخرى، والنقل هنا من كتاب عزاءات الفلسفة، ثمّة أمم يحرص فيها الناس على تسويد أسنانهم، ويشمئزون من الأسنان البيضاء!.
- مثل هذه العادات أسّست لنظرة جماليّة تخصّ أصحابها، وهي بالنسبة لهم تُمثِّل المُفتَرَض والطّبيعي!.
- نحن، مثلًا، نضحك “وربما نبكي”، ونستغرب، من الصيني الذي أكل الخفّاش، لكنهم هناك، ينظرون إلى هذا الأمر على أنه طبيعي!. لأنه، ببساطة، طبيعي بالنسبة لهم!.
- الطبيعي يقودنا إلى الطّبع!.
والطّبع يتشابك بما لا يُمكن تخليصه مع ما نظنّه فِطْرة!، وبالتالي مع ما نظنّ أنّه “صحيح”!. وبناءً على هذا “الصحيح” الآتي ممّا نحسبه “طبيعي”، يأخذ “الصّدق” معناه بالنسبة لنا، ويؤسس قواعده الأخلاقيّة والجماليّة!.
- والمنطق من النطق ومن المنطقة!. والنطق محدود والمنطقة أكثر محدوديّة!.
- فإن أنا كنت “صادقًا” في كل ما كتبت الآن، فإنني أعتبر، شئت أم أبيت، أنّ ما قلته، وما توصّلت إليه، هو “الصحيح” و”المنطقي” و”الطبيعي”، وبالتالي هو “الحقيقي”!.
- قلت لكم قبل قليل، أننا سنؤجّل مسألة “الحقيقي” قليلًا. لكن لا تظنوا أنّ الوقت الذي تفترضه كلمة “قليلًا” قد انتهى بهذه السرعة!.
-”قليلًا” التي كنت أقصدها، هي ذلك الزمن القصير الذي نُسمّيه العُمر أو الحياة!.
- الحقيقة لا يمكن معرفتها في الدّنيا!. ما بعد الموت قد تتكشّف لنا!. هذا إن كنّا نتحدّث عن الحقيقة التي هي من “الحقّ”، و”الحقّ” اسم من أسماء الله الحسنى، نستشفّ منه شيئًا، ولا يمكن لنا الإحاطة به!.
- العِلْم، خضع لمثل هذه النظرة التي قُدِّر لها أن تكون، وأن تظلّ، قاصرة، واعتبر أن أي حقيقة علميّة، ومهما تم التأكّد منها والوثوق بها، فإنها تظل حقيقة “صحيحة” بنسبة 98 في المئة، لا تتخطّاها!.