|


بدر السعيد
القرش الذي أبكاني مرتين
2021-02-13
في ليلة من ليالي إبريل من العام الميلادي 2005، كانت المصادفة الجميلة التي جمعتني برجل مختلف في كل تفاصيله.. رجل ظهر لي في انطباعي الأولي بشكل لا يختلف عن الآخرين في مظهره وحديثه وطبيعته..
وشيئاَ فشيئاً عرفت أني تعرفت على عملاق بشري اسمه “حسن الحمدان”، رزقه الله بابن بكر يعاني من إعاقات عدة حركية وذهنية.. ومنذ ذلك الحين بدأت علاقتي مع قصة ابنه “الأسطوري” الذي تجاوز كل معاني الاستسلام ومفاهيم العزم ومعايير التفوق.. الابن “عبدالرحمن” الذي جسد مع والده أفضل معاني الإصرار مستبدلاً مفردة “المعاق” بمفردة “البطل”..
“عبدالرحمن” يا كرام لم يكن مجرد بطل رياضي عابر انتصر في منافسة هنا أو سباق هناك.. بل الإنسان الذي تجاوز اللامعقول وتفوق على نفسه بأسلوب لا يمكن أن تشاهده إلا في الأفلام ولا تقرؤه إلا في الروايات الخالدة.. بطلنا يا كرام استطاع أن يتفوق على ظروفه الصحية “المعقدة” ليسجل اسمه في قوائم الفخر والإنجاز بتحقيقه بطولة العالم للسباحة لذوي الاحتياجات الخاصة. وهنا كانت المرة الأولى التي أبكاني فيها “قرش الصحراء” وأنا أشاهد لحظة وصوله إلى خط النهاية، وسط صيحات ودموع والده “حسن” الذي جسد الأبوة في أجمل صورها وهو يتجاوز الصعوبة تلو الأخرى، حاملاً ابنه هذه المرة من الكرسي المتحرك إلى منصة الذهب في تجربة إنسانية رياضية اجتماعية فردية من نوعها.. لك أن تتخيل تلك القدرة التي استطاعت تحويل ذلك الصغير الذي يعاني من إعاقات حركية وذهنية إلى شخص قادر على العوم والسباحة، ناهيك عن تقديمه كبطل..
أعترف أن علاقتي بحكاية “عبدالرحمن” بكل تفاصيلها كانت سبباً في إلهامي و دافعاً لمراجعة العديد من مشاهد الخسارة والإخفاق البشري في الرياضة، بل غير الرياضة.. تلك العلاقة جعلتني أعيد النظر في كثير من التجارب الفاشلة لأفراد ومجموعات قدموا أعذارهم الواهية تجاه فشلهم..
وفي صباح الخميس الما​ضي بلغني بكل أسى نبأ وفاة “القرش” بعد معاناة مع حالته الصحية التي تراجعت فألزمته البقاء في فراش المرض لفترة.. وبمجرد معرفتي بالنبأ ذكرت الله كثيراً ثم أجبرني عقلي على استعادة ذلك الشريط الطويل من الفخر والإنجاز والكثير من التحديات التي تجاوزها “عبدالرحمن” ووالده بكل اقتدار.. هذه المرة أبكاني “عبدالرحمن” للمرة الثانية ليس خوفاً على مصيره، بل حزن على فقد أحد الملهمين الذين كانوا سبباً في تغيير قواعد الفشل ومعايير الإنجاز..
دمتم أحبة.. تجمعكم الرياضة.. ويحتضنكم وطن..