|


أحمد الحامد⁩
برميل ديوجينوس
2021-02-28
يؤثر المكان تأثيرًا مهمًا في حياة الإنسان، والجغرافيا تتدخل في تحديد سلوكيات البشر وطريقة تفكيرهم، وصولاً لأنواع طعامهم وشرابهم وملابسهم، في رواية العنبر رقم 6 لأنطون تشيخوف، التي تدور أحداثها في روسيا.
يتحدث الطبيب أندريه يفيمتش مع إيفان ديمترش، أحد المرضى النفسيين، في العنبر رقم 6، كان إيفان يريد الخروج من العنبر بأي طريقة، لأنه يشعر بعطش قوي للحياة، واشتاق لأشعة الشمس ورؤية الأشجار واختلاف الفصول، يدخل الطبيب أندريه في حوار مع المريض ويحاول إقناعه بأنه ليس في حاجة حقيقية للخروج من هذا العنبر، وضرب بالفيلسوف اليوناني ديوجينوس مثالاً على ذلك قائلاً للمريض إيفان “إنك إنسان مفكر ومتمعن، وأيا كانت الظروف فإنك تستطيع أن تجد الهدوء داخل ذاتك، إن التفكير الحر العميق والتفهم الدقيق لأحداث العالم الغبية لأسمى متعة للإنسان. وأنت تستطيع الحصول عليها حتى إذا كنت مقيدًا وراء ثلاثة جدران. لقد أمضى ديوجينوس حياته في برميل، ولكنه كان أسعد من كل قياصرة العالم”.
أجابه إيفان إجابة توضح أن ما يصلح في مكان قد لا يصلح في مكان آخر، وبالتالي فقد يصح قول في مكان ما وقد يبدو حكيمًا في بيئته، بينما لا يصح في مكان آخر ويبدو عبثيًا لا فائدة منه. أجاب إيفان على الطبيب أندريه “لم يكن ديوجينوس في حاجة إلى غرفة أو مكتب أو إلى بيت دافئ، فالجو في اليونان حار، فليرقد في البرميل وليأكل البرتقال والزيتون، أما لو كان يعيش في روسيا لجرى بحثًا عن مسكن دافئ في مايو لا في ديسمبر وإلا لتجمد من البرد”.
تلعب الجغرافيا دورًا مهمًا، وقد يكون حاسمًا في تكويننا وبناء أفكارنا، ومع أن عالم اليوم عالم متطور شبك القارات مع بعضها بأسلاك الإنترنت، إلا أنه لن يلغي دور الجغرافيا وتأثيرها في حياة الإنسان، وهذا ما سيبقي الثقافات مختلفة دائمًا، لأن ظروف الأمكنة المختلفة شاركت مشاركة كبيرة في إنشاء ثقافة كل مكان، وهذا أيضًا يوضح لنا أن ما يصلح في أمريكا الجنوبية لن يكون مقبولاً في اليابان، وما نعجب فيه من أفكار وسلوكيات قد تكون مستغربة في جزء ما من هذا العالم، والعكس صحيح. لذلك ليس من حق أحد ما أن يفرض فكرته أو سلوكه على غيره، كما أن الادعاء بأن ما يدعيه هو الحق بصورة كاملة هو جهل كامل في عين المقابل، لأن لكل إنسان مكانًا، ولكل مكان تأثيره وظروفه على الإنسان، ما يتفق عليه سكان العالم من قناعات هي الثوابت الإنسانية العامة، من أخلاق رفيعة، ووجوب رحمة الإنسان بأخيه الإنسان.