|


فهد عافت
إشكاليّة!
2021-03-09
-العمل الفنّي المُبدِع، خَيِّر ونافع، من حيث هو تجربة جماليّة، بغض النظر عن موضوعه الذي يُمكن له أن يكون شرًّا، وأنْ يُشكّل ضررًا!.
-هذه واحدة من أكثر إشكاليات الفنّ، ومن أطولها استمراريّة، ومُرافَقَةً عبر الزمن. يمكن تتبّعها من لحظة طرد أفلاطون للشعراء من مدينته الفاضلة، أي “الأخلاقيّة”، إلى آراء تولستوي في الفنّ، إلى اليوم. وهي إشكاليّة عويصة، والانتهاء منها ينتمي إلى المُتَعَذِّرات، ويحتاج إلى زمن طويل!.
-التّقدّم التِّقني في أجهزة الكمبيوتر سيزيد من تعقيدات هذا الأمر المُعقَّد بما يكفي أصلًا!.
-القدرة، مثلًا، على إظهار ملكة بريطانيا ترقص!، وحاجة المختصّين إلى شرح الكيفيّة التّقنيّة الخادعة للفيديو الشهير، مسألة لا يُمكن استبعادها “جماليًّا” عن الفنّ، أو عن إمكانيّة الفنّ لاستخدامها في مواضيع تخصّه إبداعيًّا فيما بعد!، مثلما لا يُمكن استبعاد خطرها وضررها “أخلاقيًّا” على كثير من الناس، وعلى كثير من المفاهيم!.
-سبق لكثير من المُبدعين أنْ حُوكِموا، وسُجنوا، بل أُعدِموا بأكثر من طريقة، بسبب ما رآه المجتمع، أو رأته السُّلْطة وقتها، تخطّيًا سافرًا للأخلاقيّات وتعدّيًا عليها!.
-المتنبّي حصل على لقبه الممجّد هذا، بسبب تهمة مخبولة وجائرة “فنيًّا”، لكنها معقولة وجائزة “أخلاقيًّا”!.
الحَلّاج قُتِل بمجاز لفظي!.
-فلوبير حُوكِم، بسبب “أخلاقيّات” بطلة روايته “مدام بوفاري”!.
أوسكار وايلد ذاق الأمرّين في محاكمة مهينة، وسِجن بغيض، إلى أن كتب، مُظهرًا الندم، مُعلنًا ما يشبه التّوبة، معترفًا بأنه أخطأ بتعامله مع “الفنّ كما لو كان هو الحقيقة العُلْيا، والحياة على أنها مجرّد ضرب من الخيال”!.
-اكتُب في “قوقل”: “برانكوزي”، وسوف يظهر لك عمله “طائر في الفضاء”: هذا العمل صُودِر بسبب رجل جمارك!. الأوراق الرسمية التي كانت لديه تحمل اسم “طائر”، لكنه لم يجد في العمل الذي أمامه أي طائر!.
رُفِعَتْ دعوى قضائيّة!. لم تكن هذه قضيّة “أخلاقيّة” بالمعنى الصّريح، لكنني أضعها هنا باعتبارها كذلك!. لأن الإشكالية كانت في “الحقيقة” وفي “الصّدق”. والحقيقة في مسألة “أخلاقيّة”، والصِّدْق مسألة “فنيّة”!.
-ومن حُسن الحظّ، أن كِلَا المُرافعتين، مُرافعة محامي فلوبير في قضيّة “مدام بوفاري”، ومرافعة محامي “برانكوزي” في قضيّة “طائر في الفضاء”، حُفِظتا، ونُشِرَتا، بكامل تفاصيلهما، وصارت كل واحدةٍ منهما مرجعًا “نقديًّا” وفنيًّا، في الدفاع عن الجمال الفنّي!.
-الإشكالية، لم، ولن تنتهي قريبًا. وربما لن تنتهي أبدًا!. وهي فيما لو انتهت فلا بدّ من حدوث مصيبة مدويّة!. ذلك أن انتهاءها لصالح أحد الطرفين: “الأخلاق” أو “الجمال”، بشكل حاسم، سيُصيب المهزوم منهما في مقتل!. ولك أنْ تتخيّل حياة بلا “أخلاق” أو حياة بلا “فنّ”!.