-كان كلّما تحدّث إلينا، نقول: يا رجل، لو حفظنا هذا الكلام في آلة تسجيل، وأعدنا تفريغه على الورق، لخرجنا بكتاب أدبي رائع!. وفي كلّ مرّة يكتفي بالابتسامة، ويغيّر الموضوع!. كان مثقفًّا فخمًا، ومتحدّثًا بارعًا، يصعب الوصف، يا أحبّة، يصعب الوصف!.
-ومثلما كان استثنائيًّا في طيوبه، كان استثنائيًّا في عيوبه!. لم تكن عيوبًا، في الحقيقة، لكنها ضد المنطق والطبيعة والمعقول أو تكاد!. لم يكتب كتابًا قط، لا كتاب ولا حتّى مقالة، وليس له من أصدقاء الأدب غير قلّة، وأظنّ أنّ كلمة “قِلّة” كثيرة على وصف الجمع!.
-ربما كنّا ثلاثة!. صداقاته كثيرة وأصيلة، لكن، ولأسباب غامضة، لم يكن راغبًا في يوم من الأيّام بتوسيع رقعة مثقفين ومشغولين بالأدب والفن. سألناه مرّةً عن ذلك، فأجاب ساخرًا: بالكاد قادر على تحمّل ثقل دمكم!.
-أمّا السؤال الذي ألححنا عليه فيه، والمطالبة به، فهو تأليف كتاب واحد على الأقلّ، ولماذا لا يريد ذلك؟!. مرّةً أجاب، ومن جوابه تعرّفت على “باشلار” لأوّل مرّة!.
فاتت سنين طويلة على ذلك الرّد المدهش، الذي نسبه للفيلسوف الفرنسي الشهير. أنقله لكم من كتاب “جماليّات المكان” لـ”غاستون باشلار”: “..، لأنّ هناك فارقًا بين الكلمات التي نستعملها أمام جمهور من الأصدقاء وبين النِّظام الذّاتي الذي نحتاجه لتأليف كتاب!. حين نُحاضِر فنحن نتوهّج بفرح التّعليم، وفي بعض الأحيان تُفكِّر كلماتنا لنا!. ولكن حين نكتب كتابًا فإننا نحتاج إلى تأمّل حقيقي وجادّ”!.
-فرّقتنا السُّبُل، وانقطعت صِلتي به لأكثر من سبع سنين، كلٌّ منّا في بلد. ثم حاولت الاتّصال به فلم أنجح. تواصلت مع صديق مُشترَك، فصُدِمتُ بخبر دخوله مصحّة نفسية لأكثر من سنتين، ثمّ خروجه منها، مكتفيًا بوحدته لا يرغب بالتّواصل مع أحد!. هذا ما نقله صديقنا المُشترك نقلًا عن شقيق صديقنا ومثقفنا الكبير وفيلسوفنا الغامض!.
-حاولنا مرّات لا أتذكّر عددها، وفشلنا!.
قبل أيّام، وبينما كنت أدُور على رفوف مكتبتي، وَقَعَتْ عيني، وامتدّت يدي، إلى كتاب “جماليّات المكان” لـ”باشلار”. أحسستُ أنّ يدي تُصافح صديقي، وأنني ما أجلستُ أمامي على الطاولة، غير ذلك الصديق الأستاذ. لا شعوريًّا، طلبتُ شايًا، ولستُ من عشّاق غير القهوة، لكنه كان يُحبّ الشّاي!. ومع كُوب الشّاي، رحت أستعيد صديقي وكتاب “جماليّات المكان” معًا!. لم أُطِلْ، ففي مقدّمة الكتاب كانت تلك الجملة التي نقلتها لكم قبل قليل، والتي كان صديقي قد احتمى بها، كجواب لعدم تأليفه كتابًا!.
-أغلقتُ الكتاب، وفُتِح صدري لمحاولة تواصل جديدة!. هاتفتُ صديقنا المُشتَرَك، وكانت المفاجأة: “تريد فلان؟! تسأل عن أخباره؟! خذ، هذا فلان معك بشحمه ولحمه، أنا عنده الآن”!. أعطاه الجوّال، وسمعت صوت صديقنا المثقف الفخم والإنسان الرائع، كان يضحك من كلّ قلبه، ويردُّ بحميميّة واندفاع!.
-تحدّثنا طويلًا، عن أي شيء وعن كل شيء تقريبًا، وفي الأخير، قلتُ له ما جرى معي حين وَقَعَتْ عيني وامتدّتْ يدي إلى الرّف، وذكّرته بجوابه القديم، وقرأت له سطر “باشلار”. ضحك، وقال: “باشلار جميل وعميق، لكنه خدعنا قليلًا!، أو ربما لم نفهمه جيّدًا!. عمومًا، لا تهتمّ، كتابي في المطبعة الآن!. كنتُ أحتاج لبعض الجنون بعضًا من الوقت لأُقْدِم على هذه الجريمة، وجرى ما جرى”!.
-قلتُ له: الأيام حُلْوَة ودَوَّارَة. قال: حُلْوَة لأنّها دَوَّارَة!
-ومثلما كان استثنائيًّا في طيوبه، كان استثنائيًّا في عيوبه!. لم تكن عيوبًا، في الحقيقة، لكنها ضد المنطق والطبيعة والمعقول أو تكاد!. لم يكتب كتابًا قط، لا كتاب ولا حتّى مقالة، وليس له من أصدقاء الأدب غير قلّة، وأظنّ أنّ كلمة “قِلّة” كثيرة على وصف الجمع!.
-ربما كنّا ثلاثة!. صداقاته كثيرة وأصيلة، لكن، ولأسباب غامضة، لم يكن راغبًا في يوم من الأيّام بتوسيع رقعة مثقفين ومشغولين بالأدب والفن. سألناه مرّةً عن ذلك، فأجاب ساخرًا: بالكاد قادر على تحمّل ثقل دمكم!.
-أمّا السؤال الذي ألححنا عليه فيه، والمطالبة به، فهو تأليف كتاب واحد على الأقلّ، ولماذا لا يريد ذلك؟!. مرّةً أجاب، ومن جوابه تعرّفت على “باشلار” لأوّل مرّة!.
فاتت سنين طويلة على ذلك الرّد المدهش، الذي نسبه للفيلسوف الفرنسي الشهير. أنقله لكم من كتاب “جماليّات المكان” لـ”غاستون باشلار”: “..، لأنّ هناك فارقًا بين الكلمات التي نستعملها أمام جمهور من الأصدقاء وبين النِّظام الذّاتي الذي نحتاجه لتأليف كتاب!. حين نُحاضِر فنحن نتوهّج بفرح التّعليم، وفي بعض الأحيان تُفكِّر كلماتنا لنا!. ولكن حين نكتب كتابًا فإننا نحتاج إلى تأمّل حقيقي وجادّ”!.
-فرّقتنا السُّبُل، وانقطعت صِلتي به لأكثر من سبع سنين، كلٌّ منّا في بلد. ثم حاولت الاتّصال به فلم أنجح. تواصلت مع صديق مُشترَك، فصُدِمتُ بخبر دخوله مصحّة نفسية لأكثر من سنتين، ثمّ خروجه منها، مكتفيًا بوحدته لا يرغب بالتّواصل مع أحد!. هذا ما نقله صديقنا المُشترك نقلًا عن شقيق صديقنا ومثقفنا الكبير وفيلسوفنا الغامض!.
-حاولنا مرّات لا أتذكّر عددها، وفشلنا!.
قبل أيّام، وبينما كنت أدُور على رفوف مكتبتي، وَقَعَتْ عيني، وامتدّت يدي، إلى كتاب “جماليّات المكان” لـ”باشلار”. أحسستُ أنّ يدي تُصافح صديقي، وأنني ما أجلستُ أمامي على الطاولة، غير ذلك الصديق الأستاذ. لا شعوريًّا، طلبتُ شايًا، ولستُ من عشّاق غير القهوة، لكنه كان يُحبّ الشّاي!. ومع كُوب الشّاي، رحت أستعيد صديقي وكتاب “جماليّات المكان” معًا!. لم أُطِلْ، ففي مقدّمة الكتاب كانت تلك الجملة التي نقلتها لكم قبل قليل، والتي كان صديقي قد احتمى بها، كجواب لعدم تأليفه كتابًا!.
-أغلقتُ الكتاب، وفُتِح صدري لمحاولة تواصل جديدة!. هاتفتُ صديقنا المُشتَرَك، وكانت المفاجأة: “تريد فلان؟! تسأل عن أخباره؟! خذ، هذا فلان معك بشحمه ولحمه، أنا عنده الآن”!. أعطاه الجوّال، وسمعت صوت صديقنا المثقف الفخم والإنسان الرائع، كان يضحك من كلّ قلبه، ويردُّ بحميميّة واندفاع!.
-تحدّثنا طويلًا، عن أي شيء وعن كل شيء تقريبًا، وفي الأخير، قلتُ له ما جرى معي حين وَقَعَتْ عيني وامتدّتْ يدي إلى الرّف، وذكّرته بجوابه القديم، وقرأت له سطر “باشلار”. ضحك، وقال: “باشلار جميل وعميق، لكنه خدعنا قليلًا!، أو ربما لم نفهمه جيّدًا!. عمومًا، لا تهتمّ، كتابي في المطبعة الآن!. كنتُ أحتاج لبعض الجنون بعضًا من الوقت لأُقْدِم على هذه الجريمة، وجرى ما جرى”!.
-قلتُ له: الأيام حُلْوَة ودَوَّارَة. قال: حُلْوَة لأنّها دَوَّارَة!