|


أحمد الحامد⁩
سعود الدوسري.. أعوام من الرحيل
2021-05-11
في كل مرة أكتب فيها عن سعود الدوسري أجد نفسي أتوقف عن الكتابة بعد عدة أسطر، تزاحم في الأفكار، واسترجاع للذكريات، تجعلني أتوقف، قد لا يكون هذا التوقيت المناسب بالنسبة لي للكتابة عنه، مثلما لم أكتب عن والدي.
أعتقد بأن الكتابة في مثل هذه الحالة هي من تبدأ بنفسها بصورة ما، دون تحديد موعد أو إعلان رغبة، لكنني منذ أيام وأنا أفكر في سعود، وأتذكر العديد من الذكريات بصورة مكثفة، وانتبهت إلى أن كل الأوقات التي كانت فيها قلوبنا مفتوحة من دون أي مانع، كانت تلك التي كنا فيها دون وجود شخص ثالث، وهي التي صارت أحاديثها ذكريات نسترجعها كلما جمعنا القدر بعد مغادرته لندن.
تلك الأوقات الإنسانية كانت هي رابطنا الحقيقي، وهي التي جعلتنا نتصل ببعضنا عند بعض أوقات الحيرة الحقيقية، وهي التي جعلتنا نتواصل لإبداء ملاحظة لا بد منها.
قد تكون كتابتي الآن لحاجتي للحديث معه، وتعبير عن هذه الرغبة، لأن الإنسان عندما يريد الكلام قد لا يبحث عن حل أو تفسير، بقدر ما يبحث عن شخص يفهمه ويتفهمه، هذه هي الرغبة الأشّد التي أحتاج فيها أن أستخدم هاتفي للاتصال به، أو أجد اتصالاً يُظهر اسمه على شاشة هاتفي.
لم نكن نتحدث أنا وسعود بعد مغادرته لندن بشكل مستمر، وكانت تفصل اتصالاتنا عدة أشهر، وفي إحدى المرات لم نتواصل لأكثر من عام، لكن المدة الآن تجاوزت سنواتها الستة وهي كثيرة جداً.
عندما رحل ظننت بأني خسرت خسارة عاطفية، ولم أدرك بأنني خسرت أكثر من ذلك بكثير، وما حاجتي في الحديث معه دون وجوده إلا واحدة.
بقي سعود في عقلي منذ رحيله، أستعيده في أوقات مختلفة، في أغنية ما، أو أماكن محددة، في صديق مشترك، في نصيحة قالها، أو كرأي عبّر عنه، في تفصيل صغير، أو في تذكر صوت ضحكاته التي كان يغمض فيها عينيه، وأستعيده في الإعلام رغم نجاحه كمبدع إلا أنه لم يُنصف، لأنه ورغم نجوميته إلا أنه لم يُظهر سوى نصف ما لديه، هو النصف الذي استطاع إظهاره في وسط مهما بلغت مسؤوليات نجاحك ستبقى فيه موظفاً تستلم معاشاً على الأغلب لا يتفهم نجوميتك، وقد تبقى مهما كان تأثيرك في مهب تصرفات بعض من هم بعيدون عن فنيات المهنة الذين يوجدون في المكان الذي تعمل فيه، لا أدري إن كانت تلك الظروف دافعاً بالنسبة إليه، لكنها وبشكل مؤكد سببت له الضيق وإن استطاع إخفاء غالبيته.
يبقى سعود في عقلي رفيقي في الكثير من الأشياء التي تشكلت عندما كنا معاً، وتبقى كلماته التي أستحضرها في بعض المواقف الإنسانية أو العملية. هذه هي المرة الأولى التي أستطيع فيها الوصول إلى عدد هذه السطور عن رجل شاركته غرفة واحدة. قد تكون كتابتي الآن بعد ست سنوات من رحيله هي حالة من الحالات التي تثبت لي حقيقة هذا الرحيل، لأنني لا أستطيع التحدث معه، لأنه رحل.