في بعض المواقف، يكون الفعل المناسب هو لا شيء. لم أكن أعرف سابقًا أن لا شيء هو ردٌّ، وهو فعل رائع لبعض المواقف التي يكون الصمت فيها الحل الأمثل.
والصمت، ليس دائمًا طبعًا، هو الكلام الذي تردُّ فيه على مَن يريد أن يسحبك إلى منطقة الوحل، وهو مدة العذاب لكل مَن أراد أن يسيء إليك قاصدًا، بينما تعرف أن النزال نتيجته الخسارة، لأنه ليس كفؤًا لك، فتردُّ عليه بالصمت، وبعضه مهلة تعطيها لأحدهم لكي يعيد حساباته، وبعضه لنفسك لتلتقط أفكارك، وتراجع تصرفاتك وما فاتك، وبعضه صبرٌ على المشكلات التي يتكفل بها الزمن. وسلاح الصمت الناعم الأنيق والحاد، يستخدمه الحكماء والعارفون بفن الكلام، لأن الصمت من علم وفنون الكلام، متى ومع مَن تتكلم، ومتى ومع مَن تصمت، ومتى ترسل رسائل الصمت المملوءة بالجمل التي تصنع الأجوبة والأسئلة وحتى الشك لدى المرسل إليه. وفي الصمت، يحتار عدوك فيك، وحتى حبيبك أيضًا. يقول جون جرين، وهو مؤلف، تسيطر على مؤلفاته أفكار الخيال: “لطالما أحببت مَن يلتزمون الصمت، فلا يمكنك أبدًا أن تعرف إذا ما كانوا يرقصون في أحلام اليقظة، أم أنهم يحملون العالم فوق أكتافهم”. أما الروائي الإنجليزي الدوس هسكي، فيقول: “الصمت ليس فارغًا. الصمت مليء بالأجوبة”. أما أنا فأقول: “يا ليتني تكلمت بالوقت اللي كان لازم أتكلم فيه، ويا ليتني التزمت الصمت في الوقت اللي كان الصمت أثمن وأنفع من الكلام”. ذلك أنني لم أكن قد استمعت لحكمة أبو العتاهية:
إذا لم يضق قول عليك فقل به
وإن ضاق عنك القول فالصمت أوسعُ.
عمومًا، لا أحد لا يتعلم بـ “بلاش”، ومثلما ندفع مصاريف على التعليم للمدارس والجامعات، فإننا ندفعها لتجارب الحياة. لم يغفل شعراء الأغنية عن استخدام الصمت بوصفه موضوعًا قويًّا، تدور فيه قصائدهم، وفضَّل المطربون الكثير من هذه القصائد لعلمهم بأنها تعبِّر عن مشاعر مستمعيهم. في أغنية “نسَّاي” لعبادي الجوهر، يعيش الشاعر فايق عبد الجليل، رحمه الله، حالةً من العذاب، لأن حبيبته كانت تجيد الصمت، فوضعته في حيرة لا تطاق، وحيدًا في عالمها الصامت:
تغيب والدنيا معاك تغيب
تقطع خيوط الشمس
ويصبح العالم كئيب
وأصبحت أنا لوحدي
على أرضك غريب
ما تكتفي من غربتي
ما تكتفي من حيرتي
الله كم إنت عجيب
الصمت دايم لعبتك
الصمت أحيان رهيب.
أما الفنان الكبير طلال مداح، رحمه الله، فكان يرى، من شدة قسوة حبيبته، أن سكوته أرحم من الشكوى عندما غنى أغنية “السكوت أرحم” من كلمات المنتظر:
السكوت أرحم من الشكوى لظالم
أشتكيله منه وأنشده العدالة
الصراحة فيه معدومة معالم
وإن شكيت من الهوى قالوا جهالة!
والصمت، ليس دائمًا طبعًا، هو الكلام الذي تردُّ فيه على مَن يريد أن يسحبك إلى منطقة الوحل، وهو مدة العذاب لكل مَن أراد أن يسيء إليك قاصدًا، بينما تعرف أن النزال نتيجته الخسارة، لأنه ليس كفؤًا لك، فتردُّ عليه بالصمت، وبعضه مهلة تعطيها لأحدهم لكي يعيد حساباته، وبعضه لنفسك لتلتقط أفكارك، وتراجع تصرفاتك وما فاتك، وبعضه صبرٌ على المشكلات التي يتكفل بها الزمن. وسلاح الصمت الناعم الأنيق والحاد، يستخدمه الحكماء والعارفون بفن الكلام، لأن الصمت من علم وفنون الكلام، متى ومع مَن تتكلم، ومتى ومع مَن تصمت، ومتى ترسل رسائل الصمت المملوءة بالجمل التي تصنع الأجوبة والأسئلة وحتى الشك لدى المرسل إليه. وفي الصمت، يحتار عدوك فيك، وحتى حبيبك أيضًا. يقول جون جرين، وهو مؤلف، تسيطر على مؤلفاته أفكار الخيال: “لطالما أحببت مَن يلتزمون الصمت، فلا يمكنك أبدًا أن تعرف إذا ما كانوا يرقصون في أحلام اليقظة، أم أنهم يحملون العالم فوق أكتافهم”. أما الروائي الإنجليزي الدوس هسكي، فيقول: “الصمت ليس فارغًا. الصمت مليء بالأجوبة”. أما أنا فأقول: “يا ليتني تكلمت بالوقت اللي كان لازم أتكلم فيه، ويا ليتني التزمت الصمت في الوقت اللي كان الصمت أثمن وأنفع من الكلام”. ذلك أنني لم أكن قد استمعت لحكمة أبو العتاهية:
إذا لم يضق قول عليك فقل به
وإن ضاق عنك القول فالصمت أوسعُ.
عمومًا، لا أحد لا يتعلم بـ “بلاش”، ومثلما ندفع مصاريف على التعليم للمدارس والجامعات، فإننا ندفعها لتجارب الحياة. لم يغفل شعراء الأغنية عن استخدام الصمت بوصفه موضوعًا قويًّا، تدور فيه قصائدهم، وفضَّل المطربون الكثير من هذه القصائد لعلمهم بأنها تعبِّر عن مشاعر مستمعيهم. في أغنية “نسَّاي” لعبادي الجوهر، يعيش الشاعر فايق عبد الجليل، رحمه الله، حالةً من العذاب، لأن حبيبته كانت تجيد الصمت، فوضعته في حيرة لا تطاق، وحيدًا في عالمها الصامت:
تغيب والدنيا معاك تغيب
تقطع خيوط الشمس
ويصبح العالم كئيب
وأصبحت أنا لوحدي
على أرضك غريب
ما تكتفي من غربتي
ما تكتفي من حيرتي
الله كم إنت عجيب
الصمت دايم لعبتك
الصمت أحيان رهيب.
أما الفنان الكبير طلال مداح، رحمه الله، فكان يرى، من شدة قسوة حبيبته، أن سكوته أرحم من الشكوى عندما غنى أغنية “السكوت أرحم” من كلمات المنتظر:
السكوت أرحم من الشكوى لظالم
أشتكيله منه وأنشده العدالة
الصراحة فيه معدومة معالم
وإن شكيت من الهوى قالوا جهالة!