|


طلال الحمود
دراما القاع
2021-08-07
ساهمت السينما المصرية حتى منتصف السبعينيات في تشكيل الصورة الذهنية عن القاهرة ومجتمعها بشرائحه المختلفة، ونجحت من خلال مئات الأفلام في عرض قضايا الشارع واهتماماته السياسية والثقافية والاقتصادية، بعيدًا عن “الفنتازيا” التي قادت بعض المخرجين لاحقًا إلى التركيز على حياة القاع وتقديمها في المهرجانات العالمية على أنها الصورة الحقيقية لواقع المجتمع المصري.
تسببت التجارب “الأقرب إلى العبثية” في تصدر بعض المخرجين للمشهد، بعدما قدموا أفلامًا هدفها الالتفاف على المقارنة مع السينما العالمية وتحييد الفارق في الإمكانات، من خلال المشاركة في المهرجانات الدولية بأعمال تبرز الفقر والجهل وتركز على الشوارع المليئة بالنفايات ومدمني المخدرات، من أجل استمالة لجان التحكيم واستعطاف النقاد الذين يرون في هذا المضمون محتوى مختلفًا لا يمكن أن تجود به إلا الأفلام المصرية والمغاربية، دون الالتفات إلى رداءة المحتوى الذي يستوحي مضمونه من انسياب مياه الصرف الصحي وسط الحارة المصرية.
اللافت أن هذه الأفلام لم تجد قبولًا في الداخل، ولم يستطع المشاهد المصري “بلعها” حتى وإن فازت بالسعفة الذهبية والشوكة البرونزية، بل إنها ولّدت حال إحباط قادت جمهور السينما إلى التصفيق لأفلام محمد هنيدي وشخصيات أفلامه التي كانت تدور حول عصامية الشاب المصري وقدرته على تخطي المصاعب إلى تحقيق حلمه نحو القمة في مجالات الحياة المختلفة، وعلى رغم أن أعمال هنيدي لا تمثل قيمة في تاريخ السينما المصرية، إلا أنها تمكنت من الوصول إلى الناس بعدما صورت واقع الشريحة الأكبر من المجتمع دون حاجة للنزول إلى القاع.
بدأت تجارب يوسف شاهين تمثل مدرسة يسير على هديها كثير من المخرجين والممثلين الشبان، حتى انتقلت العدوى أخيرًا إلى الدراما السعودية من خلال موجة الأفلام والمسلسلات التي تملأ منصات العرض المدفوع، وتحرص على أن تستمد محتواها من مجتمع “القاع” الافتراضي، حتى لو تطلب الأمر تضخيم ظاهرة محدودة وتحويلها إلى مشكلة اجتماعية تشغل اهتمام الناس.
المحاولات الدرامية لكثير من السعوديين مميزة في جانبها التقني، لكن فشلها في صناعة المحتوى كفيل بطردها من المنافسة، خاصة أن اختيار القالب المناسب لا يتم بناءً على أحداث الرواية وشخصياتها، ما جعل بعضهم يصنع مسلسلًا من قصة قصيرة لا تحتمل أكثر من فيلم أو حلقة تلفزيونية، ثم يحاول استدراك الخطأ أثناء التصوير باللجوء إلى إطالة اللقطات وإضافة المشاهد الجانبية بطريقة مملة لن يصعب معها على المشاهد اكتشاف فشل المحتوى وعجز صانعيه.