|


أحمد الحامد⁩
محمد عبده.. الأسطورة
2021-08-17
محمد عبده كتب أسطورته بنفسه، وشاهدها في أعين الجماهير وسمعها بأصواتهم، لا توجد غزارة فنية فائقة التميز باستمرار بقدر ما قدمه، لا توجد أغان خالدة بعدد أغاني محمد عبده الخالدة، ولا توجد حفلات تاريخية بعدد حفلاته، ولا يوجد أرشيف مصوّر ومسموع بقدر ما في أرشيفه.
ومع أنه اليوم الأكبر عمرًا وتاريخًا إلا أنه الأكثر حضورًا وتأثيرًا وحركة من بين كل الفنانين، أتساءل ما الذي جعل من محمد عبده أسطورة؟ صوته؟ الأصوات الجميلة كثيرة.. اختياراته لكلماته وألحانه؟ هاتان الصفتان لا تكفيان.. نشاطه المستمر؟ حتى هذه الأخيرة لا تجعل مع ما سبق من الفنان أسطورة، فالأسطورة هي مرحلة ما بعد النجاح والنجومية، أستطيع القول بأن الأسطورة في عالم الأغنية هي مرحلة الخلود الفني. تعرفت على محمد عبده عام 1995 عبر الهاتف في لقاء إذاعي بصحبة الراحل سعود الدوسري رحمه الله، ثم تكررت لقاءاتي المنفردة معه عبر الهواء طوال سنوات، في كل مرة نحدد فيها موعدًا للقاء إذاعي كان يلتزم به وإن كان مسافرًا، دقيقًا في معرفة فوارق التوقيت في البلد الذي سيجري منه اللقاء، حتى اعتادت مخيلتي أن الموعد مع محمد عبده موعد، والاتفاق يعني اتفاق، في المرة الأولى التي قدمت فيها حفلًا لمحمد عبده شاهدته أثناء التحضيرات والبروفات الموسيقية التي تسبق الحفل، كان يبقى واقفًا لساعات وهو يغني ويعيد الغناء، يتوقف ليتدخل في تفصيل إيقاعي صغير، أو عندما يلتقط عزفًا خارجًا عن مجموعة الكمانات عزفة أحد الموسيقيين من بين عشرات العازفين، أو يعطي ملاحظاته لمهندس الصوت، هكذا ولساعات، في الوقت الذي تعبت أنا فيه وجلست استريح في زاوية المسرح، ثم كرر في اليوم الثاني والثالث ما فعله في اليوم الأول، كل ذلك استعدادًا للحفلة، حينها علمت لماذا حفلات محمد عبده الأكثر تميزًا في الأداء والعزف ونقاوة الصوت، في الوقت الذي كان يعاني معظم الفنانين من سوء حفلاتهم في العزف والصوت والأداء، لأنهم لا يبذلوا ما كان محمد عبده يبذله وهو الفنان الأشهر والأنجح، كان بعض الفنانين يرسلون أحدهم ليقوم بالبروفات الموسيقية بديلًا عنهم. أعتقد أن محمد عبده استطاع أن يعرف مبكرًا أن ما يقدمه يمثله وهو المسؤول عنه أولًا وأخيرًا، وأراد لنفسه أن يتفرد فنيًا وشخصيًا، وعرف أن مقابل ذلك مجهودًا كبيرًا متقنًا فقدمه، فنجح بحجم ما تحمله والتزم به من مسؤولية.
المشوار الأعجوبة لمحمد عبده درس كبير، ليس في المجال الفني فقط، بل يصلح للإنسان في الحياة، كيف تنظم وقتك، وكيف تحافظ على صحتك لتبقى شعلة نشاطك متقدة، كيف تلتزم بكلمتك فتكسب الاحترام، وكيف تحافظ على توازنك مهما بلغ نجاحك، وكيف تحترم عملك لأنه يمثلك ويشكل تاريخك.