|


أحمد الحامد⁩
لحظة غضب!
2021-10-02
* دار الحديث في مقهى هادئ بيني وبين مدمن غضب، وعلى مَن يرافق هذا الغاضب في أي مشوار قصير أن يستعد لأمرين، الأول أن يكون مستعدًا لتهدئة أي نقاش حادٍّ بين صاحبنا وأي شخص آخر قبل أن يتحول إلى شجار بالأيدي، والثاني أن يستعد لدخول هذا الشجار إذا ما رأى أن رفيقنا “يُجلد”، فإن لم تتدخَّل في الأمر الثاني فستبدو “خوَّافًا”، وليست عندك أي “فزعة”.
الحل الأمثل هو ألَّا تلتقي أي مدمن غضب في مكان عام. أعود للحوار الذي أتذكر أهم ما جاء فيه، ودعوني أعرِّفكم على بعض صفات صاحبنا الحميدة أولًا، لكي ننصفه، ولا تسلبه صفة الغضب بعض حقوقه، فهو كريم و”خدوم”، وصاحب قلب رقيق، خاصةً بعد أن تهدأ ثورة غضبه. قال بثقل وهو يتحدث عن حجم خسائره التي تكبَّدها بسبب الغضب: “هل تصدِّق أن أولادي يحبُّون الحديث واللعب والبقاء إلى جانب أعمامهم وأخوالهم أكثر مني؟! لقد اكتشفت أنهم يحاولون أن يقيموا حفلات أعياد الميلاد في الساعات التي أكون فيها مشغولًا وبعيدًا عن البيت! كل ما يحتاجون إليه يطلبونه من أمهم. صار واضحًا أنني أصبحت ثقيلًا عليهم، ما عدا مرات أشعر فيها بمحبتهم، أما معظم الوقت فيستخدمون معي أسلوب كلمة ورد غطاها والاختفاء”. لم تكن عندي وصفة سحرية لحالته الشديدة، كل ما قلته له إن نوبات غضبك المتكررة على أبنائك ستكون ضمن ذكرياتهم عندما يكبرون، وستكون محفوظة في عقولهم عندما ترحل، فأي ذكرى تريد أن تبقيها لهم؟!
* توصَّلت إلى نتيجة أن ثلاثة أرباع، وليس النصف أو الربع، من أخطائنا سببها الغضب! عندما يدفعنا لارتكاب ردات فعل، تضيع عقولنا، فتضيع حقوقنا، وقد يكون إيمانويل كانت أفضل مَن وصف ما يفعله الغضب بصاحبه: “الغضب هو العقاب الذي نعاقب به أنفسنا على خطأ اقترفه شخص آخر”. لا جديد عن سوء ما يفعله الغضب، لكننا ومن الأفضل ألَّا نتوقف عن وصف مساوئه مثلما نفعل مع التدخين، أو حتى المخدرات. أما الجديد بالنسبة لي، فإن الغضب حالة يمكن التخلص، أو التخفيف منها بشكل كبير، لكنها تحتاج إلى إرادة تشبه الإرادة التي يتحلَّى بها مَن يتوقفون عن التدخين بعد مسيرة طويلة من إدمان الدخان المضر.
* إذا عرف كل شاب أو شابة السيطرة على الغضب في مراحل شبابه، فسيستطيع الحفاظ على بنائه في علاقاته وأعماله، وهي مهمة ليست بالسهلة، لأن مرحلة الشباب مرحلة غرور، والغرور من أصدقاء الغضب، يقول توفيق الحكيم: “ما الغرور إلا وجه من وجوه الجهل، وما أرى الحياة قاسية مفظعة في قسوتها إلا على الشباب، لا لشيء إلا لأنه يجهلها، وهو في جهله لها يثق بها، ويعتقد أنه يعرفها، وأنها في متناول يده”.