|


الهريفي لاعبًا ومتكلمًا.. عندما يتورط الإنسان مع نفسه

الرياض - صالح الخليف 2021.11.06 | 03:04 pm

ما فتح فهد الهريفي عينيه على الدنيا ليرى دروبها خضراء تسر الناظرين.. هي الصعوبات التي تختار فلذات أكبادها بعناية.. هي الحياة المستحيلة والتحديات المتوثقة بمسارات أريد لها أن تكون امتحانًا قاسيًا لأولئك الذين يمكنهم أحيانًا الانتصار على كل شيء.. ثم الهزيمة أمام أنفسهم.. وهذا هو الخسران المبين..!!
فهد هريفي الحسيني.. هذا اسمه.. ذاك اسم أبيه.. وتلك هي عائلته المتجذرة في أوساط نجد العذية.. خرج الأب في وقت مبكر من حياته معتزلًا أهله وجماعته وعشيرته الأقربون ومودعًا مدينة شقراء الواقعة على بعد 150 كيلو مترًا شمال العاصمة الرياض مسقط رأسه وأرض أباه وأجداده.. ترك الذكريات تجول في آفاق الماضي البعيد لعلها تكون نسيًا منسيًا..
غادر هريفي الحسيني شقراء واستقر به الحال في أقاصي الجنوب الغربي من خارطة المملكة العربية السعودية وبالتحديد في مدينة تدعى بيشة.. بلدة صغيرة تحمل سيرة ضاربة في أعماق التاريخ فيزيد عمرها عن الألف وخمسمائة عام.. هناك بين تضاريسها وأوديتها وجبالها المتغمقة بسمار الصحراء والمتشبثة بأهمية العلاقة الرابطة بين الإنسان وطبيعة يتعايش معها.. هناك دوت الصرخة الأولى لفهد الهريفي الذي سيكون فيها بعد ذو باع ممتد من الصرخات المرتدة في فراغ لا ينتهي، مرسخًا هوية تقلبات الأنفس البشرية عندما تتنازعها قوى خفية لا تُعرف غاياتها وأهدافها ومآلاتها الأخيرة..
قبل أسابيع فتح الهريفي كاميرا جواله وأطلق للسانه العنان خائضًا كالعادة وبأجواء متشنجة شؤون النصر.. بعد أن فرغ من حفلته شبه اليومية قال واصفًا نفسه ستقولون نرجسي ومغرور..!!
هنا يستوجب عليه وعلينا التريث والتوقف وطرح أسئلة شاردة يمكن بسهولة الإمساك بتلابيبها وترويضها حتى لا تتحول إلى قنابل موقوتة..
هل فعلاً الهريفي نرجسي ومغرور.. بالطبع ليس هذا هو الاستفهام الأهم أو المهم.. هناك تساؤل آخر أحق بالسؤال.. لماذا وكيف ترسخت تلك الفكرة الأنانية عن الهريفي.. لما يراه الكثيرون أو الأغلبية نرجسيًا ومغرورًا ومتعاليًا كما يعترف هو نفسه بهذا الانطباع وكونه سائدًا متثبتًا في عقول الناس.. وخاصة النصراويين منهم..!!
حتى تعرف الإنسان وطبائعه وسلوكياته وكيف يعيش وكيف يفكر.. تحتاج أولاً وقبل كل شيء الاستماع إليه.. تتركه يتكلم.. الكلام وحده يكشف لك الأسرار والأوراق المخفية والصورة المخبأة تحت الأرض السابعة.. تكلم حتى أراك.. هذا ما قاله سيد أسياد الفلسفة الوجودية سقراط.. لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك.. إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.. الصمت حكمة.. هذه أمثلة تتزاحم في أذهاننا ترشدنا إلى أهمية التعقل في التعاطي مع أقوالنا وكلماتنا.. فيها نجاتنا.. وفيها هلاكنا.. والعاقل خصيم نفسه..!!
وحتى نضع الأمور في سياقها.. حتى لا نكون ظلمة أو مظلومين.. لابد أولًا أن نؤمن كل الإيمان بارتباط الأرواح السوية مع ماضيها وإرثها وأيامها السالفة.. الحياة أحيانًا مثل عقائد سلسلة من حديد يصيبها الصدأ بحكم عوامل التعرية.. تظل السلسلة متماسكة لا ينفك أولها من آخرها..
حينما تتحدث عن الهريفي أو غيره في إطار عام وشامل بحثًا عن مسببات نفسية واجتماعية خارجة عن المألوف، فهنا يجبرك المنطق على العودة عاجلًا متعجلًا إلى ذاك الماضي الذي ربما نغني معه بصوت الراحلة ليلى مراد في فيلمها الخالد "غزل البنات" المتبوء المركز التاسع في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ العرب.. كانت تغني بصوتها المخملي الهادل "ده الماضي مالنا وماله.. خلينا في الحاضر وجماله"..
ولست أفشِ سرًا أو أدخل مكانًا مظلمًا عندما أقول أن الهريفي عرف الأيام القاسية في صباه.. هذا ليس عيبًا أو حرامًا أو جريمة..
ذهب مدرس يدعى محمد المريشد من الرياض في مهمة وظيفية تعليمية إلى بيشة وشاهد هناك فهد الهريفي يخوض مباراة كروية مع نادي النخيل.. المريشد يحب الأصفر حبًا جمًا.. بعودته إلى العاصمة تحرك سريعًا لتوصية النصراويين بخطف الموهبة الواعدة.. اقتنع عبد الرحمن بن سعود وفتح خط المفاوضات مع المسؤولين في النادي الجنوبي.. بعد أسبوع واحد فقط وجد الهريفي نفسه يسكن شقة فاخرة بحي الناصرية ويركب سيارة جديدة لأول مرة في حياته قبل أن ينتقل بعدها بعامين إلى شقة فارهة داخل مجمع الموسى الراقي المتمركز وسط شارع العليا.. حينها كان الهريفي الأكثر رفاهية في أوساط اللاعبين وذاك يعود لسرعة توثيقه لعلاقات ممتدة مع أعضاء شرف النصر ورجاله النافذين.. منذ العام 1986 والهريفي يقدم نفسه كنجم يشق الطريق بثقة وثبات نحو التربع وبقوة على مكانة متميزة أوصلته ليكون اللاعب الثاني بعد ماجد عبد الله من ناحية التأثير الفني والجماهيري طوال تاريخ النصر.. وبعيدًا عن كل ما يقال خارج الملعب فإن الهريفي يبقى لاعبًا استثنائيًا نادرًا لا يمكن صناعته بسهولة.. يملك روحًا قتالية مجلجلة جعلته اللاعب النصراوي الأقل هزيمة من الهلال.. حينما يكون الهريفي داخل الملعب نادرًا ما يخرج أنصار الأزرق الكبير فرحين مستبشرين..
يحسب له أيضًا أنه اللاعب السعودي الوحيد الذي نجح بتحقيق الدوري بمساعدة أسماء لا تملك الملاءمة الفنية الكافية أو الفاعلة أو الفعالة.. حدث هذا عام 1414.. عندما تستعرض تلك الوجوه التي كانت بجانب الهريفي ستصدق الرواية رغم أنها نادرة ولا تمر إلا كل خمسين عامًا مرة واحدة..
في عام 1413 عاش النصر موسمًا كئيبًا ازدحم بالخذلان والرداءة والعجز وعدم القدرة على صناعة الفوارق.. تلقى الأصفر العملاق خسائر موجعة لا تليق به ولا بتاريخه ولا بعشاقه.. ماجد مصاب أغلب الموسم والهريفي كان يرزح تحت عقوبة انضباطية.. في العام التالي كان المطلوب من النصراويين مسح الصورة المحزنة على أقل تقدير لكن الهريفي ذهب بالنصراويين بعيدًا ورمى بين أحضانهم اللقب العصيب.. فعل هذا مرسخًا قدرة لاعبي الوسط الدهاة على كونهم الأهم في منظومة كرة القدم وتركيبتها وأساليبها.. كان المتطلب بلاعب الوسط إما أن يكون صاحب تمريرة قاتلة أو تصويبة نافذة أو السيطرة على وسط الميدان.. الهريفي كان أهم النماذج التي رسخت هذا المفهوم الكروي المبني على السيطرة الشاملة في أجواء المنافسات السعودية قبل أن يعود الأسطوري محمد نور ليكرر شيئًا من الحكاية الغائبة..
قدم فهد الهريفي عام 1414 موسمًا نضاليًا مشهودًا.. قاتل فيه بضراوة.. هزم الكبار والصغار وما بينهما.. بعد الأسبوع الثالث في الدوري بدأت الترشيحات تنصب على تتويج النصر.. هذا ما حدث بالضبط.. واجه الهريفي الهلال في دور الأربعة وحلق بالنصراويين إلى النهائي وسجل هدفًا خالدًا من ضربة ثابتة أرسل عن طريقها الكرة فوق رؤوس الحائط الأزرق بأقل من 60 سم لم يستطع الحارس الكبير عبد الله الدعيع معها سوى مراقبة الكرة المتوثبة تخترق حواجز الزمن وتستقر حيث أريد لها أن تكون.. كان عام هريفيًا بامتياز..
الموسم الذي يليه فاز النصر باللقب لكن القلوب الصفراء لم توليّ امتنانها شطر الهريفي.. كان ماجد الرقم الأهم في ذاك الموسم.. الهريفي نفسه لديه يقين تام بأن تلك العلاقة الأزلية الصامدة بين النصراويين وماجدهم لا يمكن لأي حدث كان أن يزحزحها عن مكانها قيد أنملة..
عاد ماجد وعاد النصراويون يضعون كل آمالهم وأحلامهم وأمانيهم الجاهزة والمؤجلة تحت إمرته.. لم يخذلهم بالطبع وفاز النصر بدوري 1415 واستحوذ ماجد على الحب والاهتمام والنجومية.. في عام 1416 حدث ما نخطو الخطى للوصول إليه.. يخوض النصر بطولة آسيوية.. في تلك الأيام أصدر الأمير عبد الرحمن بن سعود قرارًا حازمًا تحتفظ فيه إدارة النادي بجواز سفر اللاعبين.. كان المقصود الأول من ذلك الإجراء هو فهد الهريفي.. حينها استهوى الهريفي السفر إلى القاهرة كثيرًا.. الأمر الذي جعل عبد الرحمن بن سعود يخشى من دخوله في أتون الغياب المتكرر وتهديد مستقبله والتأثير المباشر على هوية النصر داخل الملعب وخارجه.. أثناء البطولة أصيب الهريفي أو أنه ادعى الإصابة.. هذا أمر فيه قولان.. ربما فعلًا ادعى الإصابة.. لا أدري بالضبط لكن ما يدعم هذا الرأي هو أنه استطاع الحصول على الجواز المحجوز وسافر إلى القاهرة.. عرف عبد الرحمن بن سعود بالتفاصيل وأثار مشكلة كبيرة وسط العاملين داخل النادي الذي اتهم بعضهم بالخيانة والتواطؤ لمخالفة تعليمات رئيس النادي وتسليم الجواز.. عاد الهريفي بعد قرابة الأسبوعين واصطدم بموقف حازم من عبد الرحمن بن سعود الذي لم تكن تأخذه بالنصر لومة لائم كما هو معروف..
راح الهريفي يشكو الأزمة الطارئة على مسامع الأمير سطام بن سعود.. وكما هو معروف أيضًا هو عضو الشرف الأقرب للهريفي.. أوصاه بتقديم الاعتزال كورقة ضغط في وجه الإدارة النصراوية وكتب سطام بن سعود بنفسه خطاب الاعتزال.. وصل الخطاب المشؤوم إلى عبد الرحمن بن سعود الذي اعتبره بمثابة ليّ الذراع المرفوضة وأرسل الخطاب سريعًا إلى لجنة الاحتراف التي صادقت بدورها على القرار لتطوى بذلك قصة لاعب كان مؤهلًا وجاهزًا لكتابة صفحات أُخر عن فكرة هيمنة لاعب الوسط على الملعب وفكرة أن يفعل اللاعب السعودي ما فعله العبقري مارادونا مع نابولي في أقصى الشمال الإيطالي عام 1987 حينما حقق المجد وانتزع لقب الدوري من أثرياء ميلان وسطوة اليوفي مع لاعبين يمكن بكل هدوء وعقلانية وصفهم بالعاديين..
لا أحد فعل ما فعله مارادونا سوى الهريفي.. هذا ليس كلامًا في الهواء الطلق.. هذا ليس تغزلاً ولا حفلة مدائح رخيصة.. هذه هي الحقيقة حينما تنام هانئة مطمئنة مع الواقع على سرير واحد وتحت لحاف واحد..
يتنحى عبد الرحمن بن سعود من رئاسة النصر وهذه قصة طويلة ليس لها علاقة بما آل إليه مصير الهريفي.. يتولى قيادة النصر نجله الأمير فيصل بن عبد الرحمن الذي لم يكن لديه أي معضلة من أي نوع في عودة الهريفي مجددًا.. تنشب قضية قانونية لم تحسم نتائج جدلها حتى الآن.. هل يحق للهريفي العودة لتمثيل النصر من جديد قبل مضي السنوات الثلاث؟..
كانت المادة الخاصة بتنظيم اعتزال اللاعبين تقول: "لا يحق للاعب المعتزل العودة لممارسة الكرة قبل ثلاث سنوات مع ناد آخر"..
رفضت لجنة الاحتراف حينها برئاسة الدكتور صالح بن ناصر عودة الهريفي لأن المادة تنطبق عليه.. فسرها القانونيون النصراويون بأن الهريفي لا يمكنه العودة للعب مع نادٍ آخر غير النصر وهذه المادة وضعت حتى لا يعتزل اللاعبون ويذهبون لتمثيل أندية أخرى لكن لجنة الاحتراف رفضت كل المساعي وكل الأصوات وأصرت على موقفها.. فيما بعد تغيرت هذه المادة أو عدلت.. انتهت الثلاث سنوات وبدأ الحديث مجددًا عن عودة محتملة للهريفي..
لم تكن الأجواء حينها مثالية بين عبد الرحمن بن سعود والإدارة الممسكة بقيادة النصر.. يتولى الزميل ماجد التويجري زمام الأمور في ترتيب العودة المنتظرة.. اشترط فيصل بن عبد الرحمن أن يكتب الهريفي خطاب اعتذار موجه لجماهير النصر.. كتبه ماجد التويجري بنفسه ونشرته "الرياضية" على صدر صفحتها الأولى.. كتب عضو شرف خطاب الاعتزال وكتب صحفي خطاب العودة والاعتذار وما بين الخطابين هناك فهد الهريفي الذي ربما يتصالح مع نفسه قبل فوات الأوان بعد أن تورط معها وجعلها بضاعة مزجاه على ألسنة الصبية والمراهقين في مزارات الكلام المفتوحة.. خطاب اعتزال وخطاب اعتذار.. خطابان يلخصان كيف تفكر ناس وهبها الله عقولًا تتدبر شؤونها..
عاد الهريفي مجددًا.. زفة نصراوية تستقبله في يوم لن ينساه هذا اللاعب طوال حياته.. قرابة عشرة آلاف مشجع احتشدوا على أطراف النادي وعند المداخل وبين كل الممرات المؤدية إلى نادي النصر في قلب حي العريجاء جنوب الرياض.. امتلأت الصحف بصور الحدث المزلزل.. لم يتلقى أي لاعب كروي قبل الهريفي ذاك الاحتفاء المثير الذي ظل لأسابيع حديث الأوساط الرياضية السعودية.. كان النصر يستعد حينها لخوض منافسات بطولة أبطال الكؤوس الآسيوية التي مهد الفوز بلقبها طريق الوصول إلى كأس العالم كأول فريق آسيوي يحط رحاله هناك.. هيأت إدارة فيصل بن عبد الرحمن الهريفي ليلتحق بفريق مطرز بالنجوم والأسماء الكبيرة مثل ماجد والبلغاري ستويشكوف والقطري محمد سالم العنزي لكن صوتًا نصراويًا قويًا ومؤثرًا قال وبكل وضوح "لا".. لا تعيدوا الهريفي للنصر بهذا التوقيت بالذات.. رضخ فيصل بن عبد الرحمن وأجّل مشروع ظهور الهريفي من جديد.. فيما بعد وكما هو معروف عاد الهريفي وشارك في مباراة السوبر التي نقلت الأصفر فعليًا إلى العالمية الأولى وسجل هدفًا تاريخيًا كان بمثابة ترجيح كفة النصر أمام الكوريين.. مضى الهريفي في طريقه سنين عددًا بعد قصة الاعتزال المتعجلة وأضاع مجدًا كان سيغير كثير من الأشياء في الهريفي نفسه وفي النصر أيضًا.. ربما هي الحماقات التي لا براء منها ولا علاج معها..
غادر الهريفي المشهد النصراوي تاركًا إرثًا كرويًا يستحق التوقف عنده وقراءته بعيون متفحصة ومنحه الكثير من علامات التقدير والاحترام والإعجاب.. وإرثًا يوازيه من صدامات لا مسوغ لها سوى هوى النفس.. وإن النفس لأمارة بالسوء..!!
ربما لو ربطت الخيوط المتشابكة السابحة في متاهات الخواء السامجة لاتضحت ملامح صورة ما حدث عام 1414 والتي جعلت من الهريفي بطلاً متفردًا.. إنها النفس الباحثة عن أحادية لا شريك لها.. إنها الرؤية المتفردة لإعلاء الشخص وإلغاء القوة الجماعية.. إنها أنا.. أجل أنا.. أنا ومن بعدي الطوفان..
وهذه أشهر مقولة موغلة في الأنانية عبر تاريخ الأمم.. للأمانة قالتها السيدة دي بومبارد عشيقة لويس الخامس عشر الملك الفرنسي التاريخي.. قالتها تلك الفاتنة المتعجرفة ولم يقلها الهريفي.. ربما الدنيا تجمع ولو بالأقوال أناسًا من أجناس مختلفة ومن عصور متباعدة.. إنها الدنيا يا صاحبي.. أحيانًا عليها السلام.. وعليك الاستسلام..!!
ساهمت السوشال ميديا وأذرعتها المتوالدة إلى صياغة الهريفي بطرق عصرية مكتظة بكل أركان الرعانة.. وقاتل الله الرعانة والرعناء.. الرعانة أعيت من يداويها..!! إنها ابنة عم الحماقة.. عائلة اشتهرت بالعويل والصوت العالي والناس نيام..!!
اقتصر ظهور الهريفي على أجنحة التقنية طوال السنوات الأخيرة بآراء لا يمكن أبدًا تقييمها كوجهة نظر خاصة.. العدائية الدائمة واختيار ضحية جديدة.. هذا شيء يشير إلى مشكلة ليس لها حلول مؤقتة.. وهذا ما فعله السيد الهريفي مع أسماء قادمة للنصر من بلاد بعيدة.. أيمكن أن تكون هي الغيرة من مبالغ طائلة يتحصل عليها اللاعبون الأجانب نظير أداء فني قد لا يرتقي لذائقة الهريفي كما فعل مع البرازيلي جوليانو سابقًا وابن جلدته تاليسكا حاليًا.. النقد ومحاولة تعديل الاعوجاج أقل حقوق الهريفي حينما يتعلق الأمر بالنصر لأنه ليس لاعبًا عاديًا في مسيرة الأصفر الكبير وإنما والحق يقال وكما ذكرنا هو اللاعب المؤثر الثاني في المشهد النصراوي وهذه ليست أعطية أو شرهة أو هدية نقدمها للهريفي وإنما حق لا يراد به باطل.. إنه حقه الذي لا يبخسه فيه أحد.. الهريفي ثانيًا بعد ماجد.. مجدًا ونجومية وعطاءً وأداءً وجماهيرية في تركيبة النصر.. جماهيرية عريضة كسبها داخل الملعب.. ويسعى جاهدًا لإسقاطها بكلام ليس له أحيانًا تفاسير سوى إنها حلقة من مسلسل توريط الإنسان لنفسه..
الهريفي كإنسان ليس قضية نلوك في تفاصيلها وإنما رجل يحرض على الأسئلة.. من بين تلك الأسئلة المتفلتة.. لماذا يبدو الهريفي بهذه الصورة المعتلة.. لماذا لا أحد يشبهه من اللاعبين السابقين وفي كل الأندية.. هل هو أشجع لاعب في التاريخ مثلًا..؟
هل تورط الهريفي بذاك الطريق الذي لم يسلكه أحد قبله.. وربما لن يسلكه أحد بعده لأن الناس بطبيعتها تعتبر من الخطاؤون..
يقولون الذكي الذي يعتبر من أخطاءه.. أما العبقري فيعتبر من أخطاء الآخرين.. الناس بأغلبيتهم يملكون الحد الأدنى من الذكاء إذا استبعدنا العباقرة من معادلتنا.. بالتأكيد أنهم يجعلون الهريفي عبرة لهم فلا يشقون هذا الطريق المظلم..
هل ما يفعله الهريفي وما يحدث مع الهريفي له علاقة مباشرة بما حدث في بيشة أو حتى شقراء أو شقة الناصرية أو شقة الموسى.. هل الإنسان فعلًا سلسلة مترابطة أم أن هذه مجرد نظريات مكانها في أرفف المكتبات الغابرة..؟
وطالما وصلنا إلى الكلام عن الكتب والمكتبات وما بداخلها لعلنا قبل أن نلملم أوراقنا نهدي الهريفي قصة من الماضي العتيق ربما تكون هي بداية الإصلاح والصلاح.. بعض الناس لا تعلمهم الأيام أي شيء.. يتعلمون أوجاع الحياة من حكاوي العجائز.. بعضهم من كلام الأصدقاء.. بعضهم يحتاج ليدخل المكتبة وينغمس وسط أدغال الدفاتر الصفراء التليدة.. قد يكون الهريفي بلحمه وشحمه ولسانه وعقله من هؤلاء.. هناك قصة كتبها الروائي الإيرلندي أوسكار وايلد قبل مئة وخمسين عامًا بعنوان "العملاق الأناني".. قصة طفولية مثيرة وصاخبة وغنية تعطي الأطفال درسًا واعيًا في التعاطي مع هذه الدنيا الفانية.. درس إنساني يعالج خلجات النفس المتفلتة وتروضها وتعدلها وتمنعها مبكرًا من تداعيات التغول في غياهب الاعتزاز الخادع..
في تلك القصة عبارة تقول على لسان العملاق: "حديقتي ملك لي أنا، بمقدور أي شخص أن يفهم ذلك ولن أسمح لأحد عداي باللعب فيها"..
هذه قصة أطفال كتبت في مدينة أوروبية باردة وبعيدة عن بيشة وشقراء والرياض.. كاتبها أديب أخاذ عيناه زرقاوان وشعره أشقر وبشرته تميل إلى الاحمرار الداكن وطبائعه وسلوكياته لا تشبهنا نحن العرب.. لا نلتقي معه بأي شيء.. ربما في قصته الأسطورية الخالدة فقط ما يشبه أحدنا أو بعضنا.. ربما العملاق الأناني يشبه أحد منا.. يعيش معنا.. ونسمع ما يقول.. ونتذكر القصة.. ونتذكر النصر.. ونقول بشيء من الأسى والحزن والألم والمدامع الصادقة.. رحمك الله كنت على حق يا عبد الرحمن بن سعود..!!