|


فهد عافت
المُنطَلَق!
2021-11-17
ـ النّقد؛ حتى وإنْ كان جيّدًا، فإنّ عدم فهم القارئ للزّاوية التي انبعث وانطلق منها هذا النّقد، قد تُسيء إلى الجميع، النقد والناقد والمنقود والقارئ، دون قصد!.
ـ في الفنّ هناك دائمًا “مُنْطَلَق”، ولأنّ الأمر كذلك فليس هناك “مُطْلَق”!.
ـ والنقد الفنّي والأدبي، إنما هو فنّ وأدب. لكلّ نقد “مُنْطَلَق” وبالتالي فإنّ أحكامه ليست “مُطْلَقَة”.
ـ يمكن نقد المتنبّي مثلًا، واتّهامه بالعنصريّة، صحّ ذلك أم لم يصحّ، يظلّ هذا نقدًا “ثقافيًا” وليس أدبيًا بالمَرّة!. وبين المُنطَلَقِين فروقات شاسعة!.
ـ الأمر ذاته يُمكن أن يحدث فيما لو انطلق ناقد من “الأخلاق” وراح يتناول شعر “أبي نواس”. يقول ما يقول فيه، لكن الزاوية هنا أصلًا ليست أدبيّة!. استنكار الخلاعة شيء وإنكار البراعة شيء آخر تمامًا!. الأولى صحيحة ومُعافاة إلى أن تقرر طيّ الثانية تحت جناحيها!.
ـ باستخدام مجهر السخريّة، يُمكن الوصول إلى صورة مفزعة!. تخيّل ما الذي يمكن الوصول إليه فيما لو انطلق ناقد ما، متّخذًا من علوم الأحياء والطبيعة متّكأً ومرجعًا، ثم راح يُقلّب قصيدة شاعر يتأمّل قمرًا، أو يهيم بعينين يراهما “غابتا نخيلٍ ساحة السَّحَر”؟! من حقّ هذا الناقد التّمسّك بحقيقة أن وجه القمر كالح جاف ومليء بالثقوب!، بناءً على ذلك، سيُظهر لنا حجم “جهل” الشاعر!. وفي حالة “عيناكِ غابتا نخيلٍ..” ستكون الكارثة مدويّة، وستكون “العيون” مليئة، على أقل تقدير، بالحشرات!.
ـ يمكن للحروب والمآسي، كما يمكن للفيضانات والزلازل، أن تقود أحدهم لتعليق مشنقة أخلاقيّة، أو “حقوق إنسانيّة!”، لشاعر يتغزّل بطريقة محبوبته في شرب القهوة!، متجاهلًا رائحة الموت والجثث!. هذا في النهاية نقد، لكن هل هو نقد أدبي.. فنّي.. جمالي؟! لا طبعًا!.
ـ الحديث هنا ليس عن المذاهب النقديّة، ما أردتُ التّنبيه إليه هو أنّه حتى في المذهب الواحد، لا “مُطَلَق” بحكم “المُنْطَلَق”!. وعليَّ كقارئ أنْ أكون يقظًا، متنبّهًا، ففي المذهب الواحد يمكن لعدد كبير جدًّا من المُنطَلَقَات تحديد الزّاوية: اللغة، العقيدة، الحسّ القومي أو الوطني، الأخلاق، الحسّ الصّوفي، التحليل النفسي، العِلْم، وغيرها كثير، كلّها مُنْطَلقات، وكلّها ليست أدبيّة ولا فنّيّة، ولن تكون كذلك ما لم يكن النّاقد أصلًا أديبًا وفنّانًا!.
وهي مُنطلقات، ينطلق منها الناقد الأديب الفنّان، بقصد أو عن غير قصد، بترصّدٍ مُسْبَق أو عن لا دراية!.
ـ الفرق يكمن في أنّ النّاقد الأديب، قادر على فهم مُنطلقه وتذويبه لصالح الأدبيّ والفنّيّ، بينما يتسمّر الآخَر، ويتحجّر، منتفخًا، يجهل أو يتجاهل المُنطَلَق، فيظن، أو يريد، لحُكْمِهِ أخذ صفة “المُطْلَق”!.