|


الهلال.. سفينة اكتشفت الجزيرة المجهولة

الرياض – عبدالرحمن عابد 2021.11.22 | 08:51 pm

خرج الملك غاضبًا كي يعرف مطالب الرجل الذي مكث أمام قصره ثلاثة أيام، وحينما سأله ماذا تريد، أجاب: أعطني سفينة، فردّ الملك مندهشًا لماذا؟ لأبحث عن الجزيرة المجهولة.. أخفى الملك ضحكته كما لو كان أمامه شخص مجنون من أولئك المغرمين بالإبحار: أي جزيرة مجهولة؟ كل الجزر موجودة في الخرائط. إلا أن الرجل الغريب أصرّ على طلبه، ووسط الجدال تجمع الناس متعاطفين وبدأوا يصرخون: أعطه سفينة، أعطه سفينة.



تشبه قصة الجزيرة المجهولة للروائي البرتغالي، جوزيه ساراماجو الفائز بجائزة نوبل للآداب عام 1998، والتي حاول فيها الملك إقناع الرجل بالاستسلام والبقاء في منزله دون التعرض إلى المتاعب بدخول البحر المظلم، وتمزيق الأشرعة بسبب الرياح العاتية، نفس ما كان يحاول فعله ياسر القحطاني قائد الهلال حينما رفع فرحًا كأس الدوري السعودي أمام نجران منتصف 2011، موزعًا الابتسامات والفلاشات على المشجعين الذين قابلوه بموجة زرقاء حادة من مدرجات الملز مرددين: نبي آسيا.. نبي آسيا.



بعد 4 أيام خسر الهلاليون موقعة جدة الآسيوية أمام الاتحاد، بنجومية نور وزياية ونونو أسيس، من بعدها ضاع الهلال في البحر وأصبحت كل الجزر مجهولة بالنسبة إليه، فلا كبريت ينفعه ولا فتيل يوقده، وكل ما تبقى بقايا شمع يشتعل ببطء على ضوء القمر، لعل وعسى أن يوصله إلى الجزيرة المنشودة، في رحلة طويلة بدأت قبل ثلاثة عقود ونيف، بضياع فرصة تحقيق اللقب الآسيوي 1987، باحتلال الهلال وصافة المجموعة النهائية ضمن النظام القديم لبطولة أندية آسيا أبطال الدوري، حيث لن ينسى مواليد السبعينات وما قبل، ليلة الملز المروعة، والتي جعلت معلق المباراة يتساءل: "ما يصير.. ايش اللي حصل؟ أربعة نتيجة كبيرة". حزنا على انهيار حسين البيشي وصالح النعيمة وباقي المدافعين في المباراة الافتتاحية التي كسبها جيف يونايتد الياباني 4-3.



في عام 1988، امتلك أزرق الرياض فريقًا قويًا استطاع تحقيق لقب الدوري تحت إمرة المدرب الأوروجوياني عمر بوراس، وريثما كان الجمهور الهلالي ينتظر سفر البعثة إلى طوكيو لمواجهة يوميري الياباني في مباراة ذهاب النهائي أملًا في تحقيق أول كأس آسيوية، أعلن اتحاد كرة القدم عن تعيين بوراس مدربا للمنتخب السعودي، تلاه إعلان قائمة معسكر المنتخب السعودي استعدادا لكأس الخليج التاسعة، حيث شملت 10 لاعبين هلاليين بخلاف المصابين الثنيان والأحمد، آنذاك حاول الرئيس الراحل الأمير عبدالله بن سعد إقناع ذوي الأعين الضيقة بتأجيل المباراة، بيد أنهم رفضوا بحجة طباعة التذاكر وحجز الملعب مسبقًا، وهو ما أجبر الهلال عن التخلف عن المباراة وخسارتها قسريًا.



وكما تحسر الزعيم على الخسارة مرتين قديمًا، حدث الأمر نفسه في النسخة الجديدة، المرة الأولى في ليلة الألم أمام ويسترن سيدني الأسترالي في نهائي 2014، تلك المباراة ما تزال لعنتها تطارد المدرب الروماني لورينت ريجيكامب في كوابيسه، ويقول عنها حتى الآن: "لو كانت تقنية الفيديو متاحة، لفاز الهلال من مباراة الذهاب". بسبب لقطة دفع الزوري داخل منطقة الجزاء في آخر لحظات الشوط الأول، دون أن يُحرك الحكم الإيراني علي رضا فاجاني ساكنًا، فضلًا عن سوء الطالع الذي لازم كل من، ياسر القحطاني وناصر الشمراني ونواف العابد وسلمان الفرج ونيفيز وديجاو وبينتيلي، من على خط الستة أمام الحارس العملاق آنتي كوفيتش الذي فشل 60 ألف مشجعا، في تشتيت تركيزه سواء بالصراخ أو تسليط الليزر الأخضر على عينيه.



أما الخسارة الثانية والموغلة في الحزن، حدثت أمام أوراوا الياباني 2017، يومها تعرض المدرب الأرجنتيني رامون دياز إلى طعنة بإصابة نجمه البرازيلي إدواردو بقطع في الرباط الصليبي في الدقيقة الخامسة من عمر مباراة الذهاب التي انتهت 1-1، بينما لحقتها في مباراة الإياب بطاقة حمراء نالها سالم الدوسري قبل 12 دقيقة من صافرة النهاية، تلتها هفوة دفاعية بدائية من القائد أسامة هوساوي عند الدقيقة 88 استغلها رافاييل سيلفا على أكمل وجه، ليهمس العماني خليل البلوشي قائلا: "خدعونا فقالوا بأن كرة القدم تعطي من يعطيها.. هي ليست كذلك.. إنها ظالمة ظالمة للهلال". وسط دموع المهاجم السوري عمر خربين ونزول سريع للرئيس الأمير نواف بن سعد إلى الملعب، لمصافحة اللاعبين ومواساتهم.



بعيدًا عن كسرة القلوب في البطولة الآسيوية، رباعية أولسان، ثلاثية أهلي دبي، مفاجأة لوكومتيف، مرارة الدحيل وركلات أم صلال الترجيحية، إذ أن الهلال يمتلك لحظات سعيدة أيضا في ذاكرة القارة الصفراء، ففي نهائي كأس 1991، عادل المهاري يوسف الثنيان الاستقلال الإيراني بهدف مارادوني، أكملها القائد منصور الأحمد بركلة ترجيحية حسمت اللقب، وبعد 9 سنوات كان من الصعب الخسارة من جوبيلو إيواتا الياباني، بفضل جيل ذهبي يقوده سامي الجابر ونواف التمياط ومحمد الدعيع، ومع ذلك تقدم اليابانيون بهدف حتى الدقيقة 89، إلا أن البرازيلي سيرجيو ريكاردو الذي لم يكترث لتعليمات مدربه الروماني الجنرال يوردانيسكو، قرر العزف بمفرده، هدف من ركلة حرة وآخر بالرأس، والثالث انبرى له ووضعه في الشباك لتتغنى الرياض بكلمات شاعر النشيد الوطني إبراهيم خفاجي "سيبقى السحر أزرق في بياض.. ويبقى المجد ما بقي الهلال".



بعد 19 عاما في البحر، ظلام وأمواج متلاطمة، أشرعة ممزقة ومبللة، تعبت سفينة الهلال من الإبحار في المياه الزمردية التي لا يخترقها الضوء، اشتاق قبطانها لرؤية رصيف الميناء، ويأس ركابها من النجاة، حيث كان الغرق محتملًا لحظة تسديد نام تاي هي الركلة الحرة باتجاه الحارس المعيوف الذي تصدى لها، ما دعا عطيف وهتان وجيوفينكو يتنفسون الصعداء، لم يكن أمامهم سبيل إلا هزيمة أوراوا في سايتاما، وهو ما فعله كاريلو وجوميز بانتزاع الكأس، وكرر سالم وماريجا القصة ذاتها أمام جاره النصر، وإن فاز الهلال على بوهانج في أمسية نهائي 2021، فلن تعد هنالك أي جزيرة مجهولة على كوكب الأرض، بعد أن اكتشف الهلال بنفسه كافة الجزر.