|


فهد عافت
طول بلانك!
2021-12-08
ـ لا داعي لتجربة الأمر: ما مِنْ أحد إلّا ويعرف أنه فيما لو كانت المسافة بين النقطة “أ” والنقطة “ب” متر، وقام برمي حجر صغير من النقطة “أ” باتجاه النقطة “ب” فإنّ الحجر الصغير سيقطع هذه المسافة غالبًا. هذه المسألة الطبيعية جدًّا، والعاديّة للدّرجة التي لا تستدعي أي تفكير، شغلت فيلسوفًا، شغل الدّنيا بها آلاف السّنين: كيف أمكن للحجر تجاوز النقطة “أ” والوصول إلى النقطة “ب” طالما أن كل خطّ بين نقطتين هو في حقيقته عدد لانهائي من النُّقَط؟!
ـ بمعنى أنّه كان على الحجر، أو الرّمح مثلًا، الانتقال من النقطة “أ” إلى نقطة خفيّة على النظر قبل الوصول إلى النقطة “ب”، وهو لكي ينتقل إلى تلك النقطة الخفيّة، كان يلزمه أولًا الانتقال من النقطة “أ” إلى نقطة أخفى تكون بين “أ” وبين النقطة الخفيّة!. ولكي يصل إلى هذه الأخفى، كان عليه الوصول إلى نقطة أكثر خفاءً بينهما، وهكذا وهكذا دون نهاية!.
ـ فيزيائيًّا هناك مشكلة، إمّا أنّ الرمح، أو الحجر، سيظل ثابتًا في الهواء لا يتحرّك ولا يصل مطلقًا، وإمّا أنّ الخط ليس عددًا لا متناهيًا من النقاط!. ولكن الحجر يتحرّك والرمح يصل، وهي حقيقة مثلما أن الخط، أيّ خط، هو عدد لانهائي من النقاط!.
ـ انتظرت الدّنيا كل هذه السّنين إلى أنْ جاء “بلانك”، ووضع ثوابته!. ومنها ثابت الطُّول!.
الذي يرمز له ℓP وحدة طول، مساوية لـ 1.616252×10−35 متر!. وباختصار، وبعيدًا عن تعقيدات الأرقام، ومن الآخِر، بُنِيَتْ الفيزياء الحديثة على هذا الاعتبار: ليس هناك شيء أصغر من طول بلانك، وكل ما هو أصغر فإنه ليس فيزيائيًا!.
ـ كل ما هو أصغر من طول بلانك لا يمكن تقسيمه، بمعنى أنك حتى لو قسمته فإنه لن ينقص ولن يصغر وسيظل على حاله!.
ـ بالمناسبة: طول بلانك هذا صغير لدرجة أنك فيما لو تخيّلته مترًا واحدًا فقط، فسيكون عليك تخيّل قُطْر ذرّة الهيدروجين لا بحجم كوكبنا، ولا الشمس، ولا المجموعة الشمسية كلها، ولكن بقدْر مجرّتنا على الأقل!.
ـ “بلانك” هنا وضع حدًّا، وأقام فهمًا جديدًا: عند مسافة محددة، لا تكون هناك مسافة من أي نوع أو درجة بين نقطتين يُمكن للإنسان حسابها فيزيائيًّا. ولهذا فإنّ الحجر، أو الرمح، يتحرّك ويصل!. ببساطة: لأنه كان يتحرك في لا مسافة بين نقطتين!.
ـ من هنا، ثبَتَ علميًّا، أنّ هذا الكون ليس فيزيائيًا فقط، أيّ أنّه ليس “ماديًّا” فقط!. وأنّ هناك شيء “خارج المادّي” يعمل في هذا الكون، وهو جزء لا يتجزّأ من المادّيّ، شيء لا هو عَدَم ولا هو مادّة، وفي حال نكرانه يسقط العلم!. وفي حال عدم وجوده يسقط الكون!. الماديّة العلميّة وابنتها “العَلْمانيّة” الفكريّة ضُرِبَتْ في مقتل!.
ـ شيء آخر يمكن طرحه هنا: كل شيء له نهاية فيزيائية، أي ماديّة، فقط. لكنه يمتدّ إلى ما لا يُمكن إدراكه، أي إلى “غَيْبٍ” لا يعلمه بشر ولا مخلوق!. نعلم فقط أنه موجود، نعرف ذلك من أثره على المادّة وتأثيره فيها. العِلْم المادّي يُقرّ بذلك، يُقرّ بوجود هذا الغيب، وبما أنّه موجود وفاعل، فإنّ أحدًا ما يعرفه، هذا الأحد هو “الأحد”!. هو خالقه ومسيِّره، ومدبِّر أمره وأمرنا!.
ـ “وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا”.