|


ميجيل روسو.. عصامي وفيّ.. استحم في محطة القطار

الرياض – عبدالرحمن عابد 2021.12.09 | 10:10 pm

يملك كاريزما هوليودية، بملامحه التي تشبه إلى حد كبير مارلون براندو الممثل الأمريكي الراحل، في الجزء الأول لملحمة فيلم العراب التاريخي، إذ يمتاز بعقلية فذة وسيرة ذاتية يُضرب بها المثل في الكفاح، وقهر المستحيل، كرجل لاتيني طاعن في العمر يوصي أحفاده بالمقولة المأثورة «الشجاعة تقود إلى النجوم، والخوف إلى الموت».
أطلق ميجيل أنخيل روسو صرخته الأولى في 9 أبريل 1956 لأبوين أرجنتينيين من أصول أوروبية إيطالية، هناك في مقاطعة لانوس الواقعة غرب بيونيس آيريس العاصمة، التي كانت موطناً للبدو والصيادين وجامعي الثمار قبل الغزو الإسباني، وأيضاً كانت شاهدة على الغزو البريطاني، كمحطة قبل الوصول إلى العاصمة، بينما الآن تعد عاصمة بارتيدو، وإحدى المراكز الرئيسية لخدمات الشحن وخطوط السكك الحديدية، وغيرها من الصناعات الثقيلة، ومصانع تعليب الخضار والفواكه، وأشهر مما سبق، كانت مسقط رأس الملك الراحل الأسطورة دييجو أرماندو مارادونا.
يتذكر الرجل الستيني في مقابلة نادرة أجراها مع شبكة «إل جرافيكو» في عام 2003، أنه فُتن بسحر معشوقة الملايين في الرابعة من عمره، حيث كان يذهب مع والده لمشاهدة هوراكان فريقه المفضل من المدرجات، لكن بعد الوفاة المفاجئة للوالد في نفس المرحلة العمرية، توجه إلى أكاديمية إستوديانتيس، ليفني سنوات عمره كلاعب، دفاعاً عن قميص لا بلاتا، أو كما يقول: «سيطر إستوديانتيس على حياتي»، في الفترة بين عامي 1975 و1988، مجسداً واحدة من روايات «الوفاء» النادرة في عالم كرة القدم، التي اتبعها فيما بعد عظماء بحجم الإيطاليين فرانشيسكو توتي وباولو مالديني والويلزي ريان جيجز.
بينما كان روسو يعيش سنوات ذروته مع كتيبة إستوديانتيس في منتصف الثمانينات، تلك الفترة التي ساهم خلالها بفوز الفريق بلقبي متروبوليتان والبطولة الوطنية، جاءته الطامة الكبرى باتصال هاتفي من صديق مقرب لمدرب المنتخب في مونديال 1986 آنذاك بيلاردو، ليخبره بأنه خارج التشكيلة المسافرة إلى المكسيك، بحجة أنه سيفهم القرار عندما يكون مدرباً، فيما يصفه حتى اليوم بالخبر الأصعب في حياته، رغم أنه كان يوم عيد ميلاد زوجته السابقة هيلينا، وكان لديه 50 ضيفاً في منزله.
بعد عامين من هذه الواقعة، أجبرته انتكاسة مزمنة على مستوى الركبة على اتخاذ قرار الاعتزال قبل أن يحتفل بعيد ميلاده الحادي والثلاثين، ليشق طريقه نحو القارة العجوز، مستغلًا جواز سفره الإيطالي، لتعلم أصول مهنة التدريب، بفترات معايشة مع عدة أندية، منها جنوى، ونابولي والكبير ريال مدريد، بمساعدة من مارادونا خصم الملاعب السابق والصديق الوفي في الحياة الاجتماعية.

من المواقف العالقة في ذهنه، أنه قرر تعليق حذائه بصفة نهائية، أثناء سفره من جنوى إلى برشلونة عبر القطار، ويروي عنها: «اتصلت بزوجتي السابقة، وأخبرتها أنني سأترك كرة القدم، لكني سأبقى في أوروبا لأشاهد كيف تسير الأمور في كأس العالم»، وحتى يحقق حلمه باحتراف مهنة التدريب من الباب الكبير، قضى نحو شهرين في معاناة، وصلت إلى حد «الاستحمام في محطات القطارات، وترك أغراضه في خزائن للعثور على فندق رخيص الثمن، وذلك بعد تخلي أريجو ساكي عنه، رغم أنه تواصل معه عن طريق بيلاردو، عكس مارادونا الذي تكفل بفاتورة إقامته في فندق نابولي، ومواطنه الآخر فالدانو الذي يقول عنه "فتح لي أبواب ريال مدريد».
يقول ميجيل روسو في لقاء صحافي مع شبكة كلارين، إن مشواره التدريبي الذي كسر حاجز الـ30 عاماً، مر بتقلبات وهبوط، لكن القاسم المشترك في تجاربه الـ22 السابقة، أنه ما زال يراوده ذاك الشعور «بالقلق واليقظة»، منذ أول يوم في عالم التدريب، حين ذهب إلى مقر نادي لانوس، ولم يجد سوى ستة لاعبين في استقباله، وحتى لحظات مجده الأخيرة مع بوكا جونيور.
تخصص في بداية مشواره التدريبي في ترقية أندية الدرجة الثانية إلى دوري الدرجة الأولى، وفعلها مع لانوس مرتين وروزاريو سينرال مرة واحدة في النصف الأول لحقبة التسعينات، وتبعها إنجازه الشهير مع يونيفرسيداد دي تشيلي، بقيادته إلى نصف نهائي كوبا ليبارتادوريس عام 1996، حين انتهت المغامرة بقرارات تحكيمية مثيرة للجدل أمام ريفر بليت، بطلها الحكم ألفريدو روداس، الذي تغاضى عن احتساب ركلة جزاء صارخة على إستبيان فالنسيا.
ووفقًا لصحيفة «ماركا» الإسبانية، تعمد روسو لاحقاً، إحراج الحكم في مناسبة عامة، برفض مصافحته أمام الصحافيين والمشاهير الذي حضروا كونجرس «كونميبول»، بل يقول: «السجن وحده منعني من ضربه».
أما أعظم إنجازاته على الإطلاق، يبقى فوزه مع البوكا بكأس ليبارتادوريس في وجود اكتشافه العظيم خوان رومان ريكلمي عام 2007، وبدرجة أقل حصوله على الدوري الأرجنتيني مع نفس الفريق في ولايته الثانية الموسم قبل الماضي، والعكس مثلاً تجاربه خارج الوطن مع سالامنكا الإسباني، موريلا المكسيكي، آليانز ليما البيروفي التي استمرت بضعة أشهر.
يبقى عام 2017، الأصعب والأكثر ألماً على بيئة الأب والجد أنخيل روسو، بعد اكتشاف إصابته بسرطان البورستاتا أثناء فترة عمله مع فريق مليونيرات كولومبيا، وعكس الأغلبية التي تنهار نفسياً ومعنوياً بعد استقبال هكذا أخبار تعيسة، تحلى بقوة الإرادة، ليخرج من هذه المحنة في بداية شهر عيد الحب عام 2018، بعبارة تحولت إلى مقولة مأثورة «كل شيء يُشفى بالحب»، وكان ذلك لحظة مشاهدته بوجه شاحب وجسد نحيف بعد فوز فريقه الكولومبي بلقب كأس السوبر، بينما ترى زوجته وأم أطفاله الثلاثة مونيكا كروافارا، أنها «محظوظة بقضاء أيامها مع مقاتل في الحياة مثل روسو»، في رسالتها لكل من دعم الأسرة في عامي الصراع مع المرض الخبيث.
ميجيل روسو من عائلة متدينة، وتعرف على زوجته الحالية أم أبنائه ناتاليا لوتارو لاعب الكرة المحترف إجناسيو، عن طريق صديقين مشتركين، وفي لقائهما الأول آمنا مرة أخرى بالحب، لأنهما كانا مطلقين، أما أكثر المقربين إليه، فهو حفيده بيدرو، الذي كان شاهداً على الواقعة التي تصدرت عناوين الصحف، بقيام لاعبي البوكا بإلقاء دلو ماء فوق رأسه وهو وحفيده، في أول مؤتمر صحافي بعد الفوز بالدوري الأرجنتيني، ومن أقواله الشهيرة: «كل شيء حولي يحفزني»، فهل سيجد هذا الحافز في مغامرته الجديدة مع النصر السعودي الجريح، أم يجد نفسه بعد 6 أشهر في مطار الملك خالد الدولي عائدًا إلى دياره كما لقي أسلافه؟.