|


السعودية ومارادونا.. المجد حتى النهاية

الرياض - عبدالرحمن عابد 2021.12.13 | 06:17 pm

كانت صدمة كبيرة تلتها ردة فعل حزينة، لامست حالة الحداد عند الرياضيين، بعد الاستيقاظ على خبر رحيل الأسطورة الأرجنتينية دييجو أرماندو مارادونا في 25 نوفمبر 2020، إذ ربطت صانع الألعاب الأشهر المولود في بيونس آيرس، علاقة عاطفية خاصة بينه وبين مشجعي كرة القدم في السعودية.
في حقيقة الأمر، جسّد لاعب القرن الماضي، مارادونا، مقولة الروائي الفرنسي "ليس للرجل سوى مجد واحد حقيقي، وهو التواضع"، حين استجاب لدعوة الأمير عبد الله الفيصل، لزيارة جدة في نوفمبر 1987، من أجل المشاركة في مباراة ودية ضد بروندبي الدنماركي، احتفاء باليوبيل الذهبي لتأسيس الراقي الجداري، وكان ذلك في أوج وأعظم لحظات دييجو في مسيرته الاحترافية.
على طريقة "الباباراتزي"، وثقت العدسات كل ثانية قضاها دييجو على أراضي المملكة، منذ هبوط طائرته الخاصة في مطار جدة مساء العاشر من الشهر نفسه وفاته، وبرفقته كلوديا زوجته الأولى وطفلتهما بعمر أشهر تعد على أصابع اليد، وجيانا دينورا مديرة أعماله إضافة إلى الوالدة دالما فرانكو والوالد، وحتى عودته إلى جنوب إيطاليا، لخوض مباراة فريقه نابولي في الجولة الثامنة للدوري الأقوى والأشهر عالميا آنذاك "الكالشيو".



أستقبل مارادونا استقبال الملوك في المدينة الساحلية، جدة عروس البحر الأحمر، تقديرًا لتواضعه وترحيبه بزيارته التاريخية الأولى لمنطقة الخليج، فيما كانت أشبه بالمعجزة أو الحلم البعيد المنال، أن يأتي مارادونا بعد أشهر قليلة من إنجازه الفريد من نوعه، بقيادة نابولي لأول لقب دوري في تاريخه، وبعد عام ونيف من وهج ما يُعرف حتى الآن بـ "مونديال مارادونا" المكسيك 1986، والأكثر إثارة للإعجاب، ما أظهره دييجو من سلوك وبساطة مع الصغير قبل الكبير.



يروي ربيع هنيدي الإعلامي اللبناني الذي أجرى مع صاحب القميص رقم 10 لقاء صحافيا، بأن مارادونا فاجأ الجميع بجمال ونقاء روحه خارج البساط الأخضر، كالعظماء الذين يتعاملون ببساطة وتواضع العامة، تاركًا نفسه بالساعات للمسؤولين عن جدول مواعيد وتحركاته بسيارته البيضاء العملاقة، بما في ذلك جلسته مع الأمير عبد الله الفيصل، التي التقط خلالها عشرات الصور التذكارية مع الأبناء والموظفين، إلى جانب صورته الخالدة لحظة تسلمه السيف الذهبي من الرئيس التاريخي لقلعة الكؤوس.
بعيدًا عن الهدايا وما ناله مارادونا ومحيطه من تقدير مادي ومعنوي في الرحلة القصيرة، قضى خالد مسعد والراحل أمين دابو وباقي أساطير الأهلي في تلك الحقبة، ساعات من البهجة وما يفوق وصف السعادة، بداية بالمشهد التمثيلي الأول لتدريبه الراقص، مستخدمًا الاختراع السحري القديم "شريط الكاسيت"، مع جهاز "الاستريو" القديم، ليغير الأجواء في غرفة خلع الملابس، بموجة من التصفيق والتفاعل مع الطاقة الإيجابية لموسيقى " life is live"، قبل أن تتحول إلى أشهر حصة تدريبية في التاريخ بعد عامين من هذه الليلة، حين فعلها على مرأى ومسمع الجميع في الربع ساعة التحضيرية قبل لقاء نابولي وبايرن ميونخ في نصف نهائي كأس الكؤوس الأوروبية نسخة 1988-1989.



رد دييجو الإحسان بالإحسان، بنثر سحره وإبداعه في كل متر في الملعب، وعكس أغلب توقعات المشككين، لعب مارادونا المباراة بجدية وحماس، وتجلى ذلك في تعليق طيب الذكر محمد رمضان وشريكه زاهد قدسي، اللذان قاما بالتعليق على لوحات الراحل الخيالية، أبرزهم المقولة العالقة في الأذهان "كأن الكرة معلقة برجوله"، من فرط الإبهار والإعجاب بلمسات الساحر وتأثيره في الفوز الأهلاوي العريض، الذي وصل قوامه لخماسية مقابل اثنين، منها ثنائية تفوح منها عبقرية مارادونا، وصناعة آخر لدابو والكثير والكثير من الفرص السهلة أمام المرمى.



مرت السنوات، ولم تنقطع علاقة مارادونا بالمملكة العربية السعودية، ولو بشكل غير مباشر، كان آخرها قبل فراقه العام الماضي، كلماته الإيجابية في التطور السريع لمنظومة كرة القدم السعودية، وكان ذلك بعد العودة مرة أخرى إلى نهائيات كأس العالم 2018، حتى أنه كان من أوائل من توقعوا معاناة محمد صلاح ورفاقه أمام الأخضر السعودي، عكس ما كان يتردد بأن المنتخب السعودي، سيكون حصالة المجموعة الأولى بعد أوروجواي وروسيا أو مصر، غير أنه كان متابعًا جيدًا لمواهب المملكة في العقدين الآخرين، على غراره إشادته التاريخية للقناص ياسر القحطاني أثناء فترة احترافه في العين الإماراتي.



بجانب ما سبق، شاء القدر في حياته، أن يقترن إسمه دومًا بالسعودية في أهم محفل عالمي كأس العالم، لما فعله النجم الكبير سعيد العويران في المنتخب البلجيكي في مونديال أميركا 1994، بتكراره هدف مارادونا الأشهر في التاريخ في مرمى المنتخب الإنجليزي ضمن نصف نهائي نسخة 1986، ولأن الأساطير لا يموتون إلا بأجسادهم، فلا عجب أن تكرمه المملكة بعد مماته على يد هيئة الترفيه، باستضافة اثنين من أشهر أنديته السابقة برشلونة الإسباني وبوكا جونيورز الأرجنتيني في مباراة سيكافئ فيها الفائز بـ "كأس مارادونا" مرة واحدة في العمر.