|


فهد عافت
ثلاث مقالات قصيرة!
2022-01-29
ـ ظلّ يُغرِّد خارج السِّرب زمنًا طويلًا، قُلْ عُمرًا كاملًا. صَفّق له من صفّق، وأسبغ عليه البعض أوصافًا نادرة. كانوا قِلّة. الأكثرية كانت ضدّه وبقيت كذلك!. الجميع تقريبًا، من أحبّوه ومن ناصبوه العداء، اتفقوا على رؤيته بعيدًا، فاستبعدوه!. لم يقترب منه أحد!. ذات صباح، تجاسر طفل، وتخطّى وصيّة أبويه بضرورة عدم الاقتراب منه.
كلّ ما كان لدى الطفل من معرفة هو أن التغريد خارج السِّرْب خطيئة أو مرَض أو شيء يستوجب البُعد والاستبعاد. ودون أنْ يعرف معنى الكلمات تمامًا سأله: لماذا تُغرِّد خارج السِّرْب؟! كلّ ما أراده هو أنْ يمسح على رأس الطّفل، لكن الطّفل لم يقترب إلى ذلك الحَدّ الذي يسمح بذلك!. اكتفى بابتسامة حزينة بعض الشيء وبإجابة لا يدري ما إذا كان الطفل سيفهمها أم لا، تنهّد: لو كنتُ وجدتُ سِرْبًا ما غرّدتُ إلّا معه!. لم يكن هناك سِرْب يا ولدي.. لم يكن هناك سرب!.
ـ المسألة ليست: “إذا عظم المطلوب قلّ المساعدُ”، فبالرغم من صحّة هذا القول الذي أثبتته التجارب والأيّام لدى كثير من الناس، لكني أظنّ أنّه قدَر على النوابغ قلّة الأصدقاء، لأسباب تتعلّق بالعقل والحسّ. فالناس يتقاربون من بعضهم وإلى بعضهم بحسب قرب العقول وتشابه الأحاسيس. ولا يكون النابغة نابغةً في قومه أو بين صحبته إلا حين يفرُق عنهم عقلًا وحسًّا، وفهمًا وإدراكًا وشعورًا واستشعارًا، وهو متى ما كان على هذه الحال، فَرَقَ وابتعد!.
ـ مثل أنْ ترسم لوحة: لنفترض، ترسم وجه إنسان. في هذه الحالة أنت ترسم بثلاث طاقات، أو ثلاث قدرات. بمعنى أوضح فإنك ترسم ثلاثة وجوه في نفس اللحظة: الوجه الذي هو أمامك، والوجه الذي تشكّل في ذاكرتك من ملامح وتقاطيع كل الوجوه التي سبق لك أن شاهدتها في حياتك ورسخت في ذاكرتك، والوجه الذي تُمَكِّنك موهبتك وأدواتك من الوصول إليه.. ورسمه!. تسير باتجاهات ثلاثة: اتجاه الحقيقة أو الواقع حيث الوجه الذي أمامك والمطلوب رسمه، واتجاه الذاكرة والمخيلة حيث كل ما سكن في ذاكرتك ووجدانك وتولّد في مخيّلتك من وجوه، واتجاه القُدرة والإمكانيّة والأدوات المتاحة!.